مسيرة الشحرورة صباحالمتألقة والمتوهجة في عالم الفن والغناء والسينما لم يشبها شائب، لم تعرف أية فنانة توهجاً كما عرفته صباح.
تمتلك صوتاً طربياً وجبلياً فريداً، صاحبة أطول أوف تؤديها بإحساس فريد، مفعم بالفرح والأمل.
رغبتها الشاشة والأضواء حتى أصبحت فنانة مشهورة في لبنان والعالم، فسطعت مثل الشمس وملأت حياتنا 60 عاماً من الفرح والبهجة، لكنها تذوقت أيضاً طعم المرارة والغدر والخداع والطلاق، ولم تتهنَّ بنجاحها كما تستحق.
دخلت الشحرورة موسوعة غينيس للأرقام القياسية، كأكثر فنانة لديها أكبر إرث فني في التاريخ.
كانت من بين أوائل المغنين اللبنانيين والعرب، الذين وقفوا على المسارح العالمية، ومنها الأولمبيا في باريس، وقاعة الكارنيغي في مدينة نيويورك، وقاعة ألبرت هول الملكية في لندن ودار الأوبرا في سيدني، كما شاركت في الكثير من المهرجانات اللبنانية، ومنها بعلبك، جبيل، بيت الدين والأرز.
بذكرى وفاتها السادسة، التي تصادف يوم 26 تشرين الثاني/نوفمبر، نستعرض في هذا المقال أهم المحطات في حياةصباح، التي إشتهرت بألقاب كثيرة منها "الشحرورة" و"الصبوحة" و"صوت لبنان" و"الأسطورة"، وأطلق عليها الصحافي موسى صبري إسم "الشحرورة" نسبة لعمها "شحرور الوادي"، وجمال صوت عصفور الشحرور، وكانت فخورة بهذا الإسم. ولُقّبت أيضاً باسم "شمس الشموس صبوحة"، الذي أطلقه عليها الفنان سمير صبري.
صباح من لبنان إلى مصر
إنطلقت في صغرها من لبنان، ولفتت انتباه المنتجة السينمائية اللبنانية الأصل آسيا داغر، التي كانت تعمل في القاهرة، فطلبت من وكيلها في لبنان قيصر يونس عقد إتفاق مع صباح لثلاثة أفلام دفعة واحدة، إيماناً منها بما تستطيع تحقيقه، مقابل أجر بلغ 150 جنيهاً مصرياً عن الفيلم الأول، ويرتفع تدريجياً في العملين الآخرين.
توجّهت إلى أسيوط برفقه والدها ووالدتها، وإستضافتهم آسيا داغر داخل منزلها في القاهرة، وكلفت الملحن رياض السنباطي بتلقينها التدريبات اللازمة لصوتها الجبلي الفولكلوري، ووضع الألحان التي ستغنيها في الفيلم، وفي تلك الفترة إختفى اسم "جانيت الشحرورة" وحل مكانه إسم "صباح"، إبنة الـ 18 عاماً في فيلم "القلب له واحد" عام 1945. وهذا الإسم أطلقه عليها الشاعر صالح جودت، لأن وجهها كان مشرقاً كنور الصباح. إلى جانب إجماع القراء على هذا الإسم، بعدما نشرت آسيا صورتها في مجلة "الصباح المصرية"، طالبة من القراء إختيار إسم فني لها.
لدى صباح 83 فيلماً بين مصري ولبناني وسوري، و27 مسرحية لبنانية، وما يزيد عن 3500 أغنية بين مصرية ولبنانية.
أناقة صباح بتصاميم وليم خوري
كانتصباحملهمة للكثير من المصممين الذين عرضوا عليها إرتداء تصاميمهم، كما كانت قدوة في الأناقة لكثير من الفنانات والنساء والفتيات، إذ كانت السباقة في إطلاق صيحات الموضة والجمال، فكانت أول من ارتدى البنطالون والشورت والفساتين القصيرة والشبك والفساتين ذات الفتحات العالية، ولم يكن المجتمع حينها يتقبل المرأة بهذه الملابس. من أبرز مصممي الأزياء الذين تعاملت معهم صباح، المصمم وليم خوري الذي قال في أحد تصريحاته الصحفية أنه صمم لها حوالى 400 فستان ارتدتها في مناسبات وحفلات ومسلسلات وأفلام عدّة. وكشف وليم أن صباح قد باعت 200 فستان لها في أميركا بـ 10 أضعاف ثمنها الاصلي، ووزعت 100 فستان للواتي كنّ يقصدنها للاستعارة منها. وإحتفظ المصمم بمئة فستان لها كي لا تقوم ببيعها، ورغبة منه في إنشاء متحف لها بعد مماتها ولأنه يعتبر أن القطع التي صممها لها تصعب إعادة صنعها مطابقة مرة أخرى.
زيجات صباح حيّرت الملايين
حياتها الشخصية كانت دائماً محط أنظار الصحافة والإعلام، التي طالتها دائماً من خلال زيجاتها المتعدّدة وإشاعات عن زواجات عابرة، حاولوا تشويه مسيرة كاملة من خلالها.
وقد تزوجتصباحرسمياً 7 مرات بحسب قولها، وقيل إن الزيجات الأخرى كانت إشاعات عنها، وأبرزها زواجها من خبير التجميل جوزيف غريب، إذ كانت كذبة في الأول من شهر نيسان.
صاحبة أغرب وصية وبيروت خلّدتها
عاشتصباحوتمسّكت بالحياة بكل قواها وحاولت أن تحافظ على شبابها مطولاً. عاشت آخر سنوات حياتها بفندق في منطقة الحازمية قرب بيروت، بعدما باعت منزلها.
صرّحت بأنها قامت بهذه الخطوة لأن بيتها صار كبيراً عليها، فشعرت بالوحدة وقررت تركه. ولم تتوانَ عن عقد مؤتمر صحفي لتنفي فيه الإشاعات التي تناولت خيانة عائلتها لها وسرقة كل ما تملك، ولتعلن أنها باعت منزلها لتستر المحيطين بها، خصوصاً إبنتها هويدا.
رحلت صباح فجر يوم الأربعاء 26 تشرين الثاني/نوفمبر عام 2014، بعد أن كانت طاردتها شائعة وفاتها منذ العام 1987، وتوفيت في مقر إقامتها عن عمر ناهز الـ87 عاماً، وحضر جنازتها إبنها "صباح"، فيما غابت هويدا عن الأنظار.
وتعتبر جنازةصباحمن أغرب الجنازات التي حصلت في العالم، إذ أوصت قبل موتها بأن لا يحزنوا عليها، وأنها تريد أن تشيّع جنازتها على أنغام أغنياتها، وهذا ما تم تنفيذه بالفعل إذ حرص أهلها ومحبوها على أن تنفذ وصيتها كما طلبت، فإمتلأت جنازتها يوم 30 تشرين الثاني/نوفمبر عام 2014 بأغانيها، التي عزفتها موسيقى الجيش اللبناني، والرقصات الشعبية التي ضجت بالحياة رغم الرحيل، وذلك بحضور مجموعة كبيرة من الفنانين والممثلين والإعلاميين والسياسيين والأدباء والمفكرين من مختلف دول العالم.
تكفل مصمم الأزياء اللبناني بسام نعمة بتصميم الفستان الخاص بالصبوحة، الذي تم إلباسه لها يوم دفنها، وهو عبارة عن فستان أبيض من الدانتيل بنقشات خفيفة، التصميم جاء بناء على وصية من صباح قبيل رحيلها، بإعتباره الفستان الأخير الذي سترتديه.
وفي منتصف شهر حزيران/يونيو عام 2015 أطلت الشحرورة صباح على محبيها بشارع الحمرا في بيروت، وقد إرتفعت لوحة جدارية على بناية "قلب بيروت"، أشرفت عليها جمعية "أحلى فوضى". وكانت الجمعية عملت بعد إعادة تأهيل الممرات الخاصة بالمشاة وذوي الهمم في الشارع، ضمن مهرجان "توت توت ع بيروت"، الذي أعاد تكريم كبار الفنانين وأحيا التراث اللبناني، فولد مشروع الرسم الضخم لصباح بإبداع الفنان يزن حلواني، وهو عبارة عن جدارية (12/25 متراً)، وهو أول لبناني يتسلق مبنى يبلغ إرتفاعه 24 متراً، لينجز هذا العمل الأكبر والأول من نوعه في لبنان.
رحلت صباح، وبقيت أغانيها وأفلامها التي ستذكرنا بها، وستذكر كل الأجيال التي ستأتي من بعدنا، بأسطورة أطلت كالشمس من بيروت، وأضاءت بفنها العالم كله.
إطلعوا بالتفاصيل أكثر على حياة الشحرورة صباح، عبر هذه الأجزاء الثلاثة:
الجزء الأول
الجزء الثاني
الجزء الثالث