بيروت التي وعلى مر الازمات والحروب، أثبتت أنها العاصمة الاعجوبة في العالم، في كل مرة كانت تطعن غدرا وتقصف قصدا، كانت تعود لتنفض عنها الغبار وتشرق كشمس العيد لتقول انا العاصمة التي لا تموت.

.. العاصمة التي لا تقهر ولن تقوى عليها أبواب الجحيم.
بعدما اعتدنا الخضات وجولات العنف بالتزامن مع بدء كل الموسم السياحي، تمكن هذا الصيف اللبناني من أن "ينفد بريشه" حتى الساعة ليشهد على حماوة حولت ليل بيروت إلى سهرات تقارع القمر بجمالها.
وفي ليلة استثنائية من ليالي الصيف البيروتي، ابرق وائل كفوري نجومية وألقاها على مسرح الفوروم دو بيروت ليثبت أنه ليس فقط نجمًا جماهيريًا، بل الرقم الصعب على الساحة الفنية اللبنانية والعربية.
حفله الأخير في الفوروم دو بيروت ليس مجرد حفل عابر للصيف، بل بمثابة مهرجان فني متكامل، مزج فيه بين الحنين والعشق والفرح، مقدّمًا باقة من أجمل أغنياته التي شكّلت جزءًا من الذاكرة الموسيقية اللبنانية والعربية.
حضور كمد بحري اجتاح مقاعد الفوروم في انتظار نجمه الملك ليس في الرومانسية فحسب، إنما في كل الألوان الغنائية التي يقدمها والتي أسست لنهج جديد في الاغنية اللبنانية.
منذ لحظة صعوده إلى المسرح وسط تصفيق هستيري، بدا واضحًا أن الجمهور لم يأتِ فقط ليسمع كفوري، بل ليحتفل به، بصوته المطواع الدافئ والقوي المنبسط كسهل البقاع يتمايل إحساسا ويلفح الحاضرين بنسيمات روائعه.
أعاد وائل إحياء روائعه القديمة، لكنه أضاء بشكل خاص على أغنيات ألبومه الأخير الذي حصد نجاحًا استثنائيًا في العالم العربي، ليؤكد المؤكد انه لا يزال يتقن فن التجدد دون أن يخسر هوية البداية التي مهدت لولادة نجم سيخلد في الذاكرة الموسيقية.
لكن اللحظة التي ستبقى محفورة في ذاكرة الحاضرين كانت بلا شك حين فاجأ الجميع، وتحرّر من الصورة النمطية للفنان الكلاسيكي المتحفظ، برقصة عفوية مع إحدى المعجبات على وقع أغنيته الشهيرة "تك تك قلبي". لم تكن مجرد رقصة، بل ترجمة حيّة للعلاقة الفريدة التي تربط كفوري بجمهوره، علاقة قائمة على المحبة والتلقائية والانصهار في لحظة فنّ صادق وحقيقي أصيل.
ولم يكد الحفل ينتهي، حتى انتشرت مقاطع الفيديو على مواقع التواصل الاجتماعي، كالنار في الهشيم، يظهر فيها وائل بعفويته، وتجاوبه، وتحرّره التام على المسرح من كل القيود التي قد تقف يومًا بينه وبين جمهوره. تلك اللقطات القصيرة كانت كفيلة بأن تعيد تأكيد مكانته، وتحوّل الحفل إلى حديث الناس والمنصات، في مشهد نادر لفنان يدمج بين الرقيّ والأداء القوي والحضور القريب.
ما فعله وائل في الفوروم دو بيروت وقبله في مهرجانات الأرز الدولية لم يكن مجرد حفل، بل محطة مشرفة ومضيئة تُضاف إلى رصيد نجاحه الذي يضع اسمه في مصاف الكبار الذين لا يكتفون بالتكرار بل يصنعون الفرق.
وائل كفوري الصوت الذي يتخطى الجغرافيا بكل ما فيها من حدود وحواجز، وبإحساس وخفة على المسرح لا تعرف حدودًا، اثبت ويثبت وسيثبت دائما وابدا انه متواعد على دروب النجاح وأن الكاريزما لا تُشترى، بل تُولد مع أصحابها… وأن "الملك" لا يزال على عرشه، يملك القلوب ويُحرّك المشاعر… برقّة صوته وببساطة حضوره.