بدأت الأوساط الطبية مؤخراً في إعادة النظر في دور التغذية، وتحديدًا الحمية الكيتونية، في دعم الصحة النفسية، بعد تراكم مؤشرات بحثية تُظهر أن هذا النظام الغذائي قد يساهم في تخفيف أعراض اضطرابات عقلية حادة مثل الاكتئاب، الفصام، والاضطراب ثنائي القطب.


يرى الدكتور كريستوفر بالمر، أخصائي علم النفس في جامعة هارفارد، أن أساس بعض الأمراض العقلية لا يكمن فقط في الخلل الكيميائي داخل الدماغ، بل في اضطرابات التمثيل الغذائي التي تؤثر على وظائفه الحيوية. ويعتقد أن النظام الكيتوني، الغني بالدهون والمنخفض بالكربوهيدرات، قد يشكّل أداة فعالة لمعالجة الخلل من جذوره، لا فقط التخفيف من أعراضه.
وفقاً لعدد من الدراسات، تم استخدام "الكيتو دايت" بنجاح منذ عقود لعلاج نوبات الصرع، وهو ما دفع الباحثين إلى توسيع التجارب على أمراض نفسية أخرى. في إحدى الدراسات، خضع 21 شخصًا يعانون من اضطرابات ذهانية ويأخذون أدوية نفسية لتجربة نظام الكيتو لمدة 4 أشهر. النتائج كانت لافتة: ثلاثة أرباع المشاركين شهدوا تحسنًا في حالتهم، بالإضافة إلى انخفاض الوزن وتحسن في مقاومة الإنسولين، وفي تجربة أخرى بفرنسا، تم تطبيق نفس النظام على 31 شخصًا يعانون من حالات نفسية معقدة. بعد أسبوعين من الالتزام بالحمية، لوحظ تحسّن لدى 43% منهم، وتم تقليل جرعات الدواء في أكثر من نصف الحالات.
رغم ذلك، لا يُجمع الأطباء على اعتبار الحمية بديلاً للعلاج الدوائي، بل يرون فيها دعامة تكميلية. فهناك من يرى أن الكيتو يخفف الأعراض دون معالجة السبب الجذري. وفي المقابل، يرى بالمر وآخرون أن إصلاح الخلل الأيضي قد يُحدث فرقًا جوهريًا في بنية التفكير واستقرار المزاج.
لكن هذه المقاربة لا تخلو من التحفظات، إذ لا يُنصح بنظام الكيتو لمن يعانون من أمراض مثل التهاب البنكرياس أو اضطرابات وراثية تمنع الجسم من استخدام الدهون كمصدر طاقة. لذلك، يشدد الأطباء على ضرورة تصميم الحمية وفق خصوصية كل مريض، ويعود الاهتمام بدور الحميات في العلاج النفسي إلى قرون مضت، حيث ربط الطبيب الإغريقي أبقراط بين الصوم وتراجع نوبات الصرع. هذا التوجّه أعاد اكتشافه علم الطب الحديث، مع فرق جوهري: الكيتو لا يتطلب التجويع، بل يُقدّم نمطًا غذائيًا قابلاً للاستمرار، وبينما تستمر التجارب، يزداد الاقتناع بأن التغذية قد تكون أكثر من مجرد عامل مساعد للصحة النفسية، وربما تتحوّل يومًا ما إلى أحد محاور العلاج الأساسية.