مسرحية "أنّا أو" عُرضت على مسرح مونو من بطولة الممثلين سولانج تراك وباتريك شمالي وزلفا شلحت. عمل يتمتع بكل عناصر النجاح، من حبكة النص، إلى حرفية في التمثيل، ما أثمر نجاحاً ساحقاً وتمديداً للعروض. فكرة العمل هي للممثلة سولانج تراك، المتخصصة بعلم النفس، وتعاون معها الكتاب والمخرج جو قديح، وتشارك الجميع في إنجاز العمل.
قررت سولانج تراك خوض المغامرة، بإختيار نص بعيد عن الكوميديا والترفيه، بالرغم من النصائح التي وجهت إليها بالتراجع عن خيارها، وقررت أن تقدم عملاً يساهم في العودة إلى الذات، بعد انتشار فيروس كورونا، والأزمة الإقتصادية والهزات الأرضية، فأبدعت مع زملائها في العمل، وأثبتوا قدراتهم التمثيلية. المسرحية تروي قصة أنّا، التي تعاني من إضطرابات بصرية، وهلوسة ومشاكل في النطق، ويشخص الطبيب حالتها بالهستيريا، ويناقشها مع سيغموند فرويد. المريضة مصرة على إستيعاب مشكلتها، وتتناقش بالموضوع مع طبيبها المعالج. بعد تعافيها، أدت أنّا دوراً في المجتمع الألماني، إلى أن تم إصدار طابع بريدي خاص بها عام 1954، تقديراً لإنجازاتها.
موقع "الفن" إلتقى الممثلين سولانج تراك وباتريك شمالي وزلفا شلحت، وكان لنا معهم الحوارات الآتية.
سولانج تراك
هل رفعت سولانج تراك مستوى أدائها إلى حد يصعب تخطيه؟
أنا لا أقيّم نفسي، لكن ردود فعل الجمهور مشجعة جداً، فقد قال لي أحدهم "إنكِ رفعتِ مستوى أدائكِ"، وتساءل ما هو الدور المقبل الذي يمكن أن ألعبه. بالنسبة لي، لا يوجد دور صغير ودور كبير، أنا أتحدى نفسي في كل شخصية ألعبها، وأسعى جاهدة لأقدم إضافة.
المسرحية دسمة وعميقة، ونجاحها يلغي معادلة أن المسرح الترفيهي هو الذي يجذب الجمهور، ما تعليقك؟
خلال تحضير العمل، تلقينا ملاحظات حول إختيار نوع العمل في الظروف الراهنة، بدلاً من إختيار عمل كوميدي، فكان الرد بأننا اخترنا التحدي، لأنه ليس واجباً أن يكون المسرح كوميدياً وترفيهياً، فالجمهور بحاجة أحياناً للعودة إلى الذات. هذه المسرحية تسمح للجمهور بالتشارك مع الممثلين من ناحية المعلومات التثقيفية، وتسمح لكل إنسان بأن يراجع ذاته من خلال شخصية "أنّا"، لاسيما بعد فيروس كورونا، والأزمة الإقتصادية والهزات الأرضية، فالإنسان بحاجة إلى العودة إلى ذاته.
كيف تفاعل الجيل الجديد مع المسرحية؟
حضر طلاب جامعات وطلاب مدارس، وفهموا الموضوع، وأجرينا نقاشاً مع طلاب جامعة الروح القدس الكسليك عن المسرحية، الذين حجزوا الصالة، وكانت أسئلتهم ذكية، وتفاعلوا، وإطلعوا على الجوانب التقنية للمسرح، ولاحظنا مدى تقديرهم للعمل.
هل تطلعينا على نشاطك في إدارة مسرح الجميزة؟
أقفل المسرح بعد إنفجار مرفأ بيروت، مع العلم أننا ساهمنا في إعادة تأهيله، وأنا حالياً بصدد إنشاء مكان جديد District Beyrouth، وهو مساحة لورش العمل ودروس مسرحية للصغار والكبار، وتدريب على الرقص والغناء.
ما هو الدور الذي تحلم سولانج بتجسيده على المسرح أو على الشاشة؟
دور "أنّا" كان تحدياً كبيراً بالنسبة لي، وأنا حريصة على إنتقاء أدواري، وهناك عدة مشاريع قيد التحضير.
باتريك شمالي
هل وجدت صعوبة في أدائك دورين في المسرحية؟
أداء دورين في نفس العمل يتطلب جهداً إضافياً، من ناحية القدرة على التمييز بين متطلبات كل دور. دور الطبيب برويير مختلف عن الدور الثاني، ودور طبيب الأعصاب لديه مقومات واضحة، لأن الطبيب النفساني لم يكن متوفراً في تلك الفترة، ولديه مواصفات الطبيب الذي يهتم بالمرضى، ويبقى على مسافة منهم ليحافظ على الموضوعية، وهذا ما حاولت إبرازه خلال عملي على هذه الشخصية. والدور الثاني هو شخصية في خيال "أنّا" وهلوساتها وفكرها، وبما أنها تعاني من مشاكل نفسية، فإن المجال متاح للشخصية الثانية بأن تلعب على المدى كله، وتكون في تحرر من الضوابط، وتبدي سخرية وشراً، وبما أنها ليس إنساناً، إستعنت بصفات الشخصية من خلال الوقوف وحركة الجسد والصوت، وهنا كان التحدي الكبير.
ما هي البصمة التي ستطبعها هذه المسرحية؟
من الصعب أن أقيّم عملاً شاركت به، لأن شهادتنا مجروحة، ولو أردنا أن نكون موضوعيين، فأنا أعتقد أننا في موقع خاص في هذه الفترة، لأننا غامرنا بتحضير عمل عن الحالة النفسية، والعلاج النفسي وأول مريض تم علاجه نفسياً بالعلاج المعاصر، في حين أن وضع البلد غير مستقر، وحالة الناس النفسية متعبة. التحديات في يومياتنا تتطابق مع أحداث المسرحية، لاسيما بعد عودة الناس إلى المسرح، عقب انقطاع طويل، وكانوا يميلون إلى الكوميديا، والأعمال التي عرضت كانت كوميدية ترفيهية، وقررنا المغامرة بتقديم عمل غير كوميدي، يدعو المشاهد للتفكير. وكانت فكرة إختيار مسرح صغير، ليعيش المشاهد أحداث المسرحية مع الممثلين وتكون هناك مشاركة، لذا ستكون البصمة أن العمل كان خارجاً عن المألوف، من حيث المغامرة، والتطرق إلى موضوع جدي بطريقة إنغماسية، في صالة صغيرة ومساحة ضيقة، في وقت يواجه الجمهور تحديات ووضعاً مأساوياً.
إلى أي مدى التفاعل والتواصل مطلوبين مقابل شخصية مركبة مثل شخصية "أنّا"؟
التفاعل مع شخصية مركبة تخفي جوانب من شخصيتها، يختلف وفقاً للدور الذي أؤديه. في دور الطبيب، يجب أن أكون متفهماً ومراقباً، لأكتشف الرعشات العصبية كجزء من العلاج، وبما أنني أستاذ جامعي، استعنت بميزات المربي لأداء الدور. أما الشخصية الثانية، فهي داخلية في فكر "أنّا"، وخيالها وأوهامها، وهذه الشخصية تلمس كل المركبات الموجودة عندها، منها الخوف، والهواجس والأفكار غير المعبر عنها، فهو يقولها عوضاً عنها. وفي هذا الدور، حاولت أن أكون صوت الهواجس المسؤولة عن الإضطراب الحركي الذي تعاني منه.
زلفا شلحت
كيف تصفين الكيمياء بينكِ وبين سولانج تراك وباتريك شمالي؟
لم تكن هناك معرفة سابقة بيني وبين باتريك، ونحن من عالمين مختلفين، فهو أستاذ جامعي، وأنا من عالم الفن، وتطلب التواصل بيننا بعض الوقت، لكي نتقرب من بعضنا البعض، ويومياً خلال العروض، تضاعفت الكيمياء بيننا، وبرز هذا التطور على المسرح. أما بالنسبة لـ سولانج، فأشعر معها بما أشعر به مع تلامذتي، أي كما لو كانت ابنتي الصغرى، وهي كزهرة تتفتح، وكلؤلؤة داخل صدفة، وأحب علاقتي معها، فهي تصغي إلى نصائحي، وأصغي إلى نصائحها وأشعر أنني أنمو معها، وعلاقتنا علاقة أم بإبنتها.
هل واجهتِ صعوبات في تجسيد دور المربية البريطانية؟
للمرة الأولى أؤدي دوراً بلغة أجنبية، أنا فرنكوفونية ولغتي الأولى هي الفرنسية، وأحب أن أكتب وأغني بها، ومن أجل أداء دور المربية البريطانية، قمت بأبحاث تقنية ونفسية، لأننا كشرقيين تختلف مشاعرنا عن مشاعر البريطانيين. الدور صعب ومركب، والمربية في المسرحية تعاني من مشاكل وعقد نفسية، وتلعب دور الأم، لذا بحثت عن شخصيات بريطانية تشبهها، وكنت خلال دوري أضغط على تعابير وجهي، لاسيما الذقن والشفتين، وعمل معي خمسة أشخاص بريطانيين لمساعدتي على تملّك اللغة.
ما هي أعمالك الجديدة في لبنان وكندا؟
أنا أعلّم المسرح منذ ثلاثين عاماً، وأعمل مع مدرسة المسرح في مونتريال. في لبنان، هناك مشاريع تمثيل، ومشاريع في مجال التدريب قيد التحضير، وأنا بصدد تحضير مسرحية فرنكوفونية، سأتولى فيها الإخراج والتمثيل، وذلك للمحافظة على الفرنكوفونية في لبنان، التي تضمحل مع الأسف. أعمل مع الأولاد الذين يعانون من صعوبات تعليمية، منها التوحد والإضطرابات العصبية، وأعمل مع المسنين بواسطة الأغاني والرقص. وأعمل على مهرجانات للشفاء من خلال الفنون، لأننا بحاجة إلى الخروج من المشاريع التي قولبنا فيها المجتمع، وأثبتت فشلها في أنحاء العالم.