في حضورها جبل من الهيبة، ومن الوقار، وصفحات من الخبرة، تروي قصة امرأة مبدعة من زمن العمالقة، أعطتها الشاشة هالة الاحترام والتقدير والسمو.
قديرة الشاشة العربية منى واصف، تناديك من خلف جدران الهيبة، وانت في حالة من التأهب، أمام مشاهدها التي تحبس الانفاس... تنظر إلى قامتها بالاسود، وقيمتها في الإيماء، وقدرتها على سبك المشاهد باحتراف قل نظيره في عالمنا العربي.
حضور وأداء هذه القديرة يسمو الى احتراف نجوم هوليوود المخضرمين... نعم مستوى تمثيل منى واصف هوليوودي بامتياز، وهي ليست بحاجة إلى شهادة، أو توصيف من أحد، فهي موهبة باتت تدرّس، سيذكرها تاريخ الدراما العربية.
أما في الانتقال إلى مسلسل "الهيبة"، وفي أجزائه الخمسة، لا هيبة تعلو فوق هيبة حضورها وأدائها، الذي يقارع التمثيل، ويحوله إلى حقيقة مجردة لا لبس فيها... إنه ليس مجرد دور تمثيلي بالنسبة إليها، إنه ابداع من نوع آخر.
مذهلة في تقمص الدور، والانصهار بحالة من الذوبان بالشخصية التي تؤديها. لذلك ستبقى شخصية "ام جبل" ذكرى مرسخة في مكتبة الابداع الدرامي العربي.
سنتذكرها من خلال هذا العمل، شخصية متلونة بطباع الحياة... يكفي أن تحدق في نظراتها، لتقرأ ثنايا الدور وانطباعه...
في عينيها تقرأ الحزن والفرح، القوة والضعف، القسوة والحنان، الاستسلام والتمرد. كل هذه الانطباعات والمواقف، تعيشها من خلال نظراتها، وتجاعيد جبينها العالي، الذي يطوي صفحات وصفحات من الخبرة، والاجتهاد المتواصل، حتى بات مثالاً يحتذى به، ومضرب مثل في الوقار.
ولعل المشهد الأكثر تأثيراً الذي سيبقى نابضاً في الحلقات الأولى من الجزء الأخير "الهيبة - جبل"، حين سلمها الممثل تيم حسن الذي يجسد دور "جبل"، خاتم ابنها "صخر" الذي توفي بعبوة ناسفة. هذا المشهد بالتحديد، سيبقى لحظة تلفزيونية في تاريخ الدراما العربية، حيث تتجلى من خلاله أسمى مشاعر الحزن والأسى على فقدان الأم لابنها.
منى واصف هي الشاشة التي تختصر حكايات العرب، في أدوار ارتقت إلى واقع حقيقي، وستذكر الدراما دائماً أنّ من بين روّادها، هناك قديرة اسمها منى واصف.