في المسلسل التركي المعرب "آسر"، برز الممثل السوري سامر المصري كأحد الأعمدة الفنية التي ارتكز عليها العمل، ليس فقط لأنه ممثل مخضرم، بل لأنه قدّم أداءً نادرًا في صدقه واتزانه، ابتعد فيه عن المبالغة، وقرّبنا من إنسان لم نكن نعرفه، لكنه بات مألوفًا بمجرد ظهوره على الشاشة.

شخصية "عزت كماشة" لم تكن سهلة، فهي مليئة بالطبقات والتناقضات، لا يمكن فهمها بسهولة فهو رجل صلب في الظاهر، هش من الداخل، شخص يحمل في ملامحه قسوة التجارب، لكنه يترك خلف كل نظرة انكسارًا لا يُقال.

والمصري اختار أن يسلك طريقًا صعبًا في تقديمه، لم يجعل منه شريراً نمطياً ولا بطلاً مخلصاً، بل جسده كإنسان حائر، يدافع عن نفسه بطريقته، ويغوص في صراعاته بصمت ثقيل.

ما يُميّز أداء المصري في هذا الدور هو تلك الحساسية العالية تجاه التفاصيل الصغيرة، فلم يكن يحتاج إلى مشهد صراخ ليُقنعنا، بل نظرة واحدة كافية لتُظهر صدق الشعور.

كان جسده يتكلم، في وقفته، وفي صمته الطويل الذي بدا وكأنه يحمل عشرات الجمل غير المنطوقة، وفي لحظات المواجهة، لم تكن نبرته عالية، لكنها كانت تحمل مرارة سنين، حتى عندما كان يغضب، كان غيظه هادئًا، كأنه تعلّم أن الألم لا يُصرخ، بل يُبتلع، وهنا تكمن عبقريته في الأداء، أن يجعلنا نصدّق شخصية مؤلمة دون أن يُفجعنا، أن يجعلنا نكره أفعاله أحيانًا، لكننا لا نقدر على كرهه، كان عدوًا لنفسه أكثر من أي شخص آخر، وكان أميناً في نقل هذا الصراع الداخلي إلى الشاشة، دون تكلّف أو ادّعاء.

ربما لم يكن "عزت" الشخصية الأكثر لفتًا من حيث الأحداث، لكنه كان أكثرها ثباتًا في الذاكرة، لأنه يشبه الحقيقة، يشبه الناس الذين نلتقيهم في الحياة: أولئك الذين يضحكون قليلاً، ويختبئون كثيرًا.

المصري لم يؤدِّ دوراً، بل عايشه، ترك شيئاً من روحه فيه، وربما أخذ شيئاً منه معه وهذا، ببساطة، هو الفرق بين ممثل جيّد، وفنان حقيقي.