بعد أن تم تكريم الأديب الكبير أمين معلوف ومنحه وسام الاستحقاق الوطني من قبل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وتهنئة الرئيس ميشال عون له، جدّد ضروري نحكي هذا الأسبوع التحية له عبر بث مقابلة حصرية عُرضت للمرة الأولى، كانت قد أجرتها الإعلامية داليا داغر مع الكبير معلوف في حزيران من العام ٢٠١٦ ضمن برنامج سطوح بيروت تقديراً لعطاءاته.
ضمت الحلقة حنين الأديب إلى الماضي الجميل في ضيعته عين القبو، مشاهد الحرب الأهلية التي أجبرته على مغادرة لبنان، وإنجازاته التي جعلت منه أديباً لبنانياً فرنسياً رائداً فرض نفسه في الأدب العالمي، وحجز لنفسه المقعد 29 في الأكاديمية الفرنسية.
لفت الأديب أمين معلوف في مستهلّ الحلقة إلى محاولاته المتكررة منذ البداية لتعريف العالم على التراث اللبناني والعربي بشكل أوسع "فهناك نقص لدى العالم عن ثقافة وتاريخ هذه المنطقة، وهناك نظرة سلبية وظالمة من العالم باتجاه المشرق المليء بالتسامح والتعايش والجمال" وهذا ما حاول معلوف أن يغيره من خلال كتاباته على مدى سنوات.
وعاد بالذاكرة إلى مدرسة عين القبو في مسقط رأسه، التي نشأ وترعره فيها، وكانت المدرسة الوحيدة المختلطة من الجنسين يومها ما قبل الحرب العالمية الأولى، والتي لا يزال يراها دائماً بأحلامه، معلناً إيمانه بأن "المشرق لا بدّ أن يستعيد دوره ويعود للطليعة تماماً كما كان منارة للعالم".
وتابع: "منذ أن فتحت عيناي على الحياة كنت أرى والدي رشدي المعلوف يكتب ومن هنا تكونت فكرة الربط بين العمل والكتابة لديّ، وكان والدي كثيراً ما يخبرني قصصاً عن تاريخ العرب القديم وعن الضيعة وأعتقد أن عشقي لكتابة القصص استلهمته من هنا".
وأضاف معلوف: "عندما كنت أعمل في صحيفة النهار وكانت أحداث حرب فييتنام من بين اهتماماتي، قررت أن أذهب وأرى عن قرب ماذا يحصل في تلك الحرب، ولا أنسى المقابلة التي أجريتها مع أنديرا غاندي في يوم 9 أو 10 نيسان من العام 1975 وعدت من بعدها إلى لبنان في 13 نيسان، وبنفس اليوم نظرنا من نافذة بيتنا أنا وزوجتي في عين الرمانة ورأينا البوسطة، وفجأة تصاعد الرصاص، وبعد دقيقة واحدة كانت الأرض مليئة بالدماء".
ويتابع في استذكار اليوم البشع من تاريخ لبنان والذي كان سبباً لاختياره طريق الهجرة: "يومها كنّا مدعوين للغداء في منزل والدي، اتصلت به وقلت له أعتقد بأن الحرب قد بدأت، فلم أفكر يوما بأنني سأترك لبنان، لكن القرار اتخذته خلال 48 ساعة عندما فكرت بمستقبل أطفالي وبلحظة رأيت نفسي خارج لبنان".
وهنا بدأت حكاية الانتماءات المتعددة، ويقول معلوف في هذا الإطار: "ليس من السهل أن يعيش الانسان انتماءات متعددة، علماً أنه قادر على أن ينتمي لبلدين ويكون صلة الوصل بينهما" وكتاب التائهون يعبر عن مشاعر شخص عاش فترة طويلة بين بلدين حضارتين. "وانتمائي الحقيقي هو لهذه الحضارة المشرقية التي تحتضن كل الأديان والطوائف، ولست أنا فقط من يحنّ لهذا المشرق ببداياته، بل العالم كله بحاجة له والعالم اليوم في ضياع، لديه امكانات هائلة لكن لا يعرف طريقه، فهو فقَدَ البوصلة التي تسمى المشرق".
يرى معلوف نفسه خارج أي لعبة سياسية وأي نزاع سياسي، على حدّ تعبيره، ويقول: "من حظي أن كتبي تترجم لأكثر من 50 لغة ولا قاعدة معينة اتوجه لها بكتاباتي، وبالتالي لست مضطراً لمراعاة حساسية أي قاعدة أو مسايرتها، بل أي قاعدة عليها أن تراعي وتفهم أنني كاتب ولست مُلكاً لأحد ولن أكون".
وفي الدين أكد معلوف: "لم يكن الدين يوماً المشكة بل المشكلة في استخدام الدين لغايات سياسية وغيرها، والمشكلة في أن يصبح الدين هوية بينما هو ايمان وقيم انسانية". وتابع: "لا أمارس طقوس الصلاة لكنني أشعر بالراحةعندما أدخل إلى دور العبادة، وربما العالم بحاجة الى روحانية معينة، وهذا بالتأكيد لا تُعبر عنه ممارسات دمج الدين بالهوية".
وأشار إلى أننا "نحتاج لفترة انتقالية لنستوعب كل التغييرات التي فرضتها على حياتنا التكنولوجيا ونتائجها على الانسانية، وربما لبنان أصبح لديه مناعة لأنه تأذّى كثيراً ولذلك يستطيع أن يقطّع المرحلة الصعبة... وهذا أملي".
"لديّ الشعور بأن كل ما هو بين يديّ هناك مَن منحني إياه، وكل ما كتبته بوحيٍ من أشخاص جاؤوا قبلي هم أجداد معنويون، والأدب أكثر وأكثر بدأ يتحول إلى أن يكون أدب عالمي، ومن المهم عدم حصر الأدب بثقافة وحضارة معينة، بل يجب أن يتوجه الأدب للعالم الواسع لأن كل الانسانية اليوم شعب واحد ومصيرها واحد".
وختم معلوف: "ربما رسالة لبنان للعالم... العالم كله بدأ حضارة واحدة وسينتهي حضارة واحدة" وشكر فريق العمل على الحلقة التي وصفها بـ"اللحظة الحلوة" التي أعادته لذكريات واشياء جميلة جداً.