وكأنه بطيف نسيم الخريف يداعب طيات الفن اللبناني والعربي ويداعب خشبة مسرح اشتاقت لتحتضن وطأة قدم رجل لن يتكرر في تاريخ الأغنية اللبنانية.
وكأنه لم يرحل ، فلمثله الخلود والحياة وهو الذي التحف الحياة غمزاً وحباً وجنوناً وواعدها على الحلوة والمرة وفي السراء والضراء حتى أغدقت عليه بالكثير ليبدع موسيقاراً كبيراً من معالم بلدنا.
في الذكرى السنوية الأولى لرحيل الموسيقار ملحم بركات ، والتي تصادف اليوم أرصف كلماتي بأنين الحزن على موسيقار عايشته وواكتبه في مراحل عمرية مختلفة.
نعم لقد شهدت على الكثير من انسانتيه ، وارتشفت منه سكرة النجاحات التي حققها على امتداد العالم العربي ، وانكسرت على وميض الالم الذي كان يحتفظ به لنفسه بعيداً من العالم الفاني.
ملحم بركات أكثر من عانى على الصعيد العائلي ، يوماً لم يخرج على ناسه إلا مبتسما عبثياً مجنوناً عاشقا متيما بأغنياته التي تحولت إلى تقليد وفلكلور تحاكي الطبيعة البشرية بمختلف حالتها.
وبينما كنت استمع إلى اغنيتك الشهيرة "تعا ننسى" لم اتمالك نفسي ، اجشهت بالبكاء على صوت لا ينضب ، واحساس تحول إلى مدرسة ، واداء في قمة الاحتراف. وكيف لنا ان ننسى من طبع في مخليتنا وافئدتنا ذكريات الماضي الجميل الذي لم ولن يتكرر.
وكيف لنا ان ننسى من جعل للفن اللبناني قيمة وقدراً في العالم العربي ، وهو الذي ما وفر لقاء اعلاميا او صحافياً إلا ودافع عن لواء الاغنية اللبنانية ، وحتى لو على حساب انتشاره وخسارته في معادلات المهرجانات وحفلات خارج لبنان.
وكيف لنا ان ننسى من وضع أجمل الالحان لنفسه ، والتي تحولت إلى نغم متطاير في الاثير يحلو معه العيش والكيف والفرح.
في الذكرى الأولى لرحيلك بعد صراع مع المرض المشؤوم لن استذكرك... فلأمثال ملحم بركات الحياة.
ملحم بركات لم يرحل إلا جسدا وما الجسد الا وهن... روحك هنا وجنونك هنا وأغنياتك هنا وأحباؤك هنا وكلنا هنا في حالة من ذهول الصدمة لأننا وحتى اليوم لم نصدق رحيلك وانت عاشق الحياة برتبة ضابط اكبر.
في ذكرى الرحيل نشتاق اليك ملحم بركات كما تشتاق الا يل لعشبها...
نشتاق إلى ابتسامتك التي يوما ما فارقت ثغرك .
نشتاق إلى تصريحاتك النارية التي كانت تحرك الركود الاعلامي والصحافي فتثير زوبعة.
نشتاق إلى ذكائك النادر في وسط تلبسه الشؤم والخبث والرياء والاقنعة المزيفة.
نشتاق إلى فن ملحم بركات وأغنياته وصوته وعربه وآهاته فمن بعدك أحد لم يملي تلك الهوة التي تتسع يوماً بعد يوما.
ملحم بركات الف رحمة على روحك وفي ذكرى رحيلك لن ننساك إلى الابد ، ونسأل "من بعدك لمين الشمس بتنحني؟".