الأديب مطانيوس ناعسي يعبر بالقارئ إلى فضاءات الإعتراف والوجدان، وينثر كلماته على مائدتنا الأدبية نثر كاتب مبدع وقاصٍّ مقتدر وقلمٍ مجنون.
"مات أبي مرتين" كتابه الجديد الذي صدر حديثاً، بلا دار نشر، وتمّ توقيعه، في معرض الكتاب انطلياس يوم السبت 11 ألجاري، ضمن منشورات جمعية تجاوز. هو الآتي من قرية "عين يعقوب"، مسقط رأس والده، وترعرع في جارتها "بزبينا"، مسقط رأس أمّه. يأسر القلوب بسحر كلماته، ويُثير ذهول كلّ من يقرأ له، فنصوصه غنية بالحكم البالغة، وبالمعاني المبتكرة، كما بالرومانسيّة، ويكتب بأسلوب غنيّ بالصور، كأنه يحمل ريشة رسّام وليس قلمًا.
كتابه "مات أبي مرتين" يتضمّن خواطر للمؤلّف نسجها بعمق العارف والمختبر.
العنوان يتحدّث بصورة رمزيّة عن موت وقيامة فموت. لكنّ القصّة الأولى في الكتاب، أوضحت نوعيّة الموت، وإذا هو موت نفسيّ في المرّة الأولى لأب فقد عقله فنقل إلى مصح للمجانين، حيث أمضى أربعين عاماً. تبعه موت جسديّ كان أشبه باستراحة المحارب، في معركة الوجود. ويطرح الكاتب، في هذه القصّة/ السيرة الذاتيّة خاطرة وجوديّة حول معنى الجنون، قبل أن يودّع أباه على أمل اللقاء، ليكشف له أسرار جنونه، ويخبره ماذا وراء الموت.
أما الأقصوصة الثانية فهي انتقال الجنون إلى الكاتب هو تعلّق الشاب بالقرية ، وطيرانه منها إلى المدينة، قبل أن يطوي جناحي حلمه، مكتشفاً وحدة الوجود بينه وبين البيت والشجرة والزهرة... في القرية.
و في القصة الثالثة جنون القلب، يذهب بعيداً في عشقه الجمال، إلى أبعد مما يريد صاحبه. فيدعوه إلى التعقّل تحت طائلة النقمة عليه.
والجنون الرابع هو في تفهّم حال بائعة الهوى، فيعلن الكاتب أنها باعت جسدها ولكنّها حرّة القلب والإرادة . ويفرّق بينها وبين صائدة الهوى التي تبيع كلّ شيء ، وهي تمتلك مركبة أحلام ورديّة، في سبيل المال، خائنة الزوج والخليل.
والجنون الخامس هو جنون المنطق الذي آثر، في قصة نفس في جولة أن يبقى منازعاً على قارعة الطريق، من أن يُنقل إلى الطبيب للمعالجة، كي لا يُصدم مجدداً في طريق الإنسانيّة السريع. (من مقالة للدكتور جوزاف ياغي الجميل في جردية الأنوار)
موقع الفن كان حاضراً في يوم التوقيع ضمن مهرجان الكتاب اللبناني في أنطلياس والتقى بالكاتب ومعه كان هذا الحديث:
العنوان سأتركه غامضاً من أجل تشويق القرّاء على المضمون. وهذا الكتاب هو قصة فيها خاطرة واقعية. وأنا أميل أكثر إلى النّثر من الشعر فعندما أريد الكتابة أكتب النثر تلقائياً. وهذا لا يعني أنني إذا أردت التعبير عن فكرة ما وتحتاج إلى الشعر فأكتب الشعر. فالشعر ليس وسيلة تعبيرة الوحيدة لذا لا أكثر منه. أما إجابة عن سؤال واقع القراءة اليوم فقد أشار ناعسي إلى أن هذا الواقع يمكن أن نراه من ناحية سلبية ومن ناحية إيجابية لكنني شخصياً أتفاعل إيجاباً مع موقع التواصل الإجتماعي الفايسبوك فجعل الكثير من الناس يقرأون التعليقات وبعض المنشورات حول الفلسفة والأدب والفكر والشعر. وبمجرد نشر هذه المنشورات وإعادة نشرها وقراءتها وانتظار الإعجاب بها هو أمر إيجابيّ. وأظنّ أن الكتاب الرقمي حاجة لكن يجب أن تصان حقوق الناشر الفكرية بمشروع عالميّ. ووجه كلمة إلى قراء موقع الفن شاكراً إياهم على اهتمامهم ومتابعتهم لكتاباته كما شكر هلا المرّ. ولمن لم يكتشف بعد لذّة المطالعة فليقرأ ويكتشفها ولو متأخراً. فعلى الإنسان أن يقرأ ليوسع آفاق فكره فأنصح بذلك.