"لنتذكر"نعيد من خلالها نشر لقاءات ومقالات بقلم الزميلة الراحلة رنا بو رسلان شوي .
لكل أمة في التاريخ مرآة عاكسة لعقلها وذوقها في عالم الفكر والثقافة. فلا قيمة لأمة لا تمتلك إرثاً فنياً وثقافياً وإبداعياً ، لأنها تكون أمة بلا جذور وبلا هوية. والمهرجانات تعتبر أحد معالم الحضارة في المجتمع، هي معيار النهوض الثقافي لأي بلد، وقلبه النابض بالحياة الذي إذ ما توقف عن الخفقان فقد هذا البلد قيمته الحضارية والسياحية.
من هذا المنطلق ومن إيمانها المطلق بأن البلد الذي لا مهرجانات فيه هو بلد يشكو من أزمة حضارة وتشكو ثقافته من أزمة هوية ويضيع المقياس الصحيح للفن والفكر فيه ، حيث يسير الجديد والتراث مشية الاعرج لغياب التوازن بينهما. بلد لا مهرجانات فيه لا طاقة فيه للفرح والحياة والتجدد ، بلد قيّد عقل ابنائه فحدّها في إطار المعيوش واليومي دون الارتقاء بهما الى الأرقى والأفضل ، ففقد الابداع وبات الأمر دائماً على مقولة "لا جديد تحت الشمس".
لأجل كل هذا اصدرت المدير العام لشركة I SENSE إيمان أبو نكد مؤلفها الجديد الذي حمل عنوان "Sense Lebanon Festivals"، هذا الاصدار الجديد الأنيق في مظهره المفعم بالفرح والحياة في ألوانه الزاهية، الراقي في تصميمه وتنفيذه ، هو إصدار يتناول موضوع المهرجانات في لبنان، الكبيرة منها والصغيرة، الدولية والمحلية.
أفردت إيمان أولى صفحات كتابها لتحدثنا عن المهرجانات بإعتبارها صورة وهوية الوطن . وهذا الوطن في مؤلفها هو لبنان الذي تمّيز إنسانه بقدرة وإرادة فريدتين ، فبرغم كل المصاعب نراه يعود ليقول للحياة: "قفي هنا، عندي أنا... هنا في لبنان". تحدثت ايضاً عن دور الدولة ومؤسساتها والتعاون مع القطاع الخاص الذي لا يمكنه أن يحمل مسؤوليات الدولة، لأن عملاً بمستوى المهرجانات يستلزم تنسيقاً كاملاً بين الدولة والقطاع الخاص. وإنتقلت لتشير الى واقع السياحة في لبنان تحت عنوان "سياسة السياحة أم سياحة السياسة... والمرأة بيضة القبّان" .
وفي تجربة جديدة من نوعها، ولأن للاعلام والصحافة في لبنان فضل الريادة على صعيد العالم العربي عرضت بعض الصفحات لتعبّر عن آراء وزير السياحة الحالي فادي عبود ووزير السياحة السابق إيلي ماروني في المهرجانات وآراء بعض الاعلامين الذين إختارت منهم هلا المر، سعاد قاروط العشي، جو معلوف، سنا نصر، ريما كركي، جويل فضول، ريما نجم بجاني، زافين قويومجيان، ريتا حرب، راغدة شلهوب ، محمد حجازي، إيلي أحوش ، بياريت قطريب، غريس بعقليني، ليليان ناعسة، كاتيا دبغي عساف، منى الرفاعي، ميراي عيد، يقظان التقي، ميسم درزي، ميلاد حدشيتي، غنوة الدريان ، رؤى الحجيري، زكريا فحام، داليا داغر، روبير فرنجية، رانيا شهاب، رابعة الزيات، باتريسيا هاشم.
الكتاب أهدته إيمان الى لبناننا الحبيب قالت : " على أرض الحب نتحدث ..لأن الأمل لا يموت فينا نعمل ... ولأننا نريده مشرقاً حيّاً نابضاً، فلن تكبلنا يوماً قيود ولن تحدّنا صعوبات ابداً. وربما لأننا نخشى على إبتسامته كانت المهرجانات موضوعنا ولأننا نريد أن نقول لأبنائه هنا أن يبقوا فيه ولأبنائه المغادرين أن يعودوا إليه ... فمهما كثرت الأوطان الكل يعلم أن ليس كمثله وطن.
ختمت: "إليك لبنان .. الى كل من أحبّك على إمتداد المكان والزمان.. أهدي عملي".
إختزلت أبو نكد 22 مهرجان محلي ودولي، بدأت بمهرجانات إهدن التي تختصر تاريخاً وحضارات وتراث تحفظه إهدن بكل تفاصيله لتقدمه لنا كل صيف بطريقة ذات طعم مختلف يجتمع فيه الفن بالأدب والموسيقى والرسم وكل أنواع الفرح والمتعة، ومن ثم تسير في جولة خاطفة في عالم البترون الصيفي، وتعود لتقص علينا قصة مهرجان البستان الدولي للموسيقى والفنون الذي بدأت تصدح أصداء موسيقاه منذ 20 عاماً ولا زالت، مروراً بمهرجانات بعلبك ورستيلاتها الاحتفالية التي تطرب الآف السياح والزوار من لبنان والعالم أجمع. وطبعاً دون أن تفوتنا ليالي الفن اللبناني الأصيل مع الرحابنة والسيدة فيروز أو مع مسرح كركلا الذي هزّ العالم إنطلاقاً من بعلبك التاريخ والحضارة. ومن بعلبك نمر بمهرجانات جبيل الدولية التي لا يكفيها رواد الفن في لبنان ومحيطه العربي بل تصّر على الدوام على إستضافة كبار الفنانين من الغرب.
وطبعاً إبنة عين زحلة الشوفية لم تنس مهرجانات بيت الدين الدولية التي كما تقول اعتادت تغنيج التاريخ عبر استحضار الماضي الى الحاضر حيث يخلع التاريخ عباءته ويستبدلها بثوب رقص معاصر.
وفي سلاّت اللؤلؤ، تضيء لؤلؤة جونيه بمهرجاناتها الدولية المميزة وأسواقها التاريخية، ومن جونيه الى الحازمية التي حزمت أمرها لتجمع في قبضة يد واحدة عراقة التراث وعصرنة الحاضر.
تنقلنا أبو نكد من مهرجان الى آخر ببساطة بعيدة عن السرد القصصي الممل فتحكي قصة كل مهرجان وفكرة إنطلاقه وأبرز نشاطاته باسلوب سهل بعيد عن التصنّع والتكلّف ومفعم بالعبارات والصور التي تبهج الروح والنظر.
نشرب معها من خمر زحلة ونأكل من مازاتها اللبنانية اللذيذة المجبولة بالمحبة والعطاء، ونتجول في أسواق زوق مكايل التي تستقطب، كما توضح المؤلفة، منذ العام 2003 شتى التجارب الموسيقية الابداعية والحرف المتميزة النادرة ، ونتوقف في إستراحة في قصر سن الفيل العاجي بين أهل المنطقة حيث الألفة و"الجيرة" والمحبة.
ونعود معها لنكرر حلم الشهيد رفيق الحريري بزرع بذور الرقي والتطور في كل لبنان ، وهنا تشير المؤلفة الى مشاريع القيّمين على إعادة إعمار وسط بيروت في شركة سوليدير التي تخطط لانشاء واحات ثقافية واسعة. ولا تنسى أن تعدد سلسلة المعارض والحفلات التي أقيمت في مهرجانات سوليدير.
تبدأ المؤلفة في حديثها عن كل مهرجان بالاشارة الى ما تتميز به منطقته فتصف الشبانية بحبيبة لامارتين، وضهور الشوير بجارة صنين الحبيبة، وعاليه بعروس المصايف ، وتحكي قصة التعايش الديني والحزبي في مدينة الشويفات، وتتوج صور ملكة في جنوب لبنان المقاوم ، وتذكرنا حين نتوقف معها في صوفر بصوت فريد الأطرش والحان عبد الوهاب ودلع "الصبوحة" ومسرحيات شوشو. وينساب فكرنا معها في مهرجانات الفريكة كما إنساب قلم "فيلسوف الفريكة" أمين الريحاني حين سار بين شجرات بلدته الوادعة برقة أجنحة الفراشات في المتن الشمالي. وبعفوية بريئة وحماس تلقائي تنقلنا الى مهرجانات قبيع التي تتجمل كما العروس كل سنة لملاقاة صيفها الحبيب. ونتوقف لنستظل في حضن الطبيعة الوادعة المنعشة في كفردبيان قبل أن تنتهي رحلتنا بمسك الختام مع مهرجانات نهر إبراهيم في منطقة وادي نهر إبراهيم التي أصبحت تعرف "بوادي أدونيس المقدس".
تاريخ حافل بالابداع وجهد متواصل وعمل دؤوب إستطاعت إيمان أبو نكد إختصاره بصفحات قليلة وبكلمات خرجت من القلب لتدخل الى قلوبنا جميعاً. نجحت في إيصال الرسالة التي تريد. وبعباراتها الرقيقة طبعت هذه الرسالة في عقولنا.
لم تغفل أبو نكد ان تلقي الضوء على الممرجانات بالريشة واللون وعلى قاعدة أن الفن أحلى لغة خصصت صفحات للفن التشكيلي وإختارت بعض الفنانين التشكيليين من لبنان وهم برنار رنّو، ناتالي جبيلي، حياة حداد، رنا بساط، فؤاد خالد الحسن، خليل طرزي، رندا هبري، نينا ظريفة، يارا ايلي صابر، دارين سمعان ونينا طاهر إسماعيل.
في آخر صفحة من كتابها قالت إيمان: "لأننا دعاة للحب والفرح، ولأن لبنان يستحق، ولأن كلام القلب يقصد القلب مباشرة ... هكذا أردنا عملنا بطاقة ملونة بعثناها عبر بريد الكلمة والصورة لتولد السعادة أنّى حضرت ولتزرع نفسها في كل مكان".
يبقى القول، إيمان بونكد مؤلفك هذا بصفحاته القيّمة هو أنامل شموع تزيد لبنان نوراً وحضارة وقيمة.