بدعوة من " بيت الموسيقى " في جمعيّة النّجدة الشّعبيّة اللّبنانيّة، وبحضور فاعليّات ثقافيّة وسياسيّة وتربويّة واجتماعيّة ومنظّمات المجتمع المدنيّ وأهالي الطّلّاب وأعضاء الجمعيّة في عكّار، قدّم طلّاب السّنة السّادسة في "بيت الموسيقى" أمسية من التّقليد الموسيقيّ المشرقيّ العربيّ وذلك بمناسبة ترفيعهم إلى السّنة السّابعة.
بعد النّشيد الوطنيّ اللّبنانيّ، كانت كلمة لعريف الحفل الأستاذ كامل منصور مرحّباً بالحضور وشاكراً إيّاهم على المجيء، ملقياً قصيدةً شعريّةً افتتاحيّةً أظهرت حسًّا وطنيًّا عاليًّا وذلك لجهة المعاني والصّور العفويّة الّتي تضمّنت تحيّة إجلالٍ وإكبارٍ واحترامٍ للجيش اللّبنانيّ. ثمّ كانت كلمة لمدير عام "بيت الموسيقى" الدّكتور هيّاف ياسين، الّذي شرح العمق الموسيقيّ للأمسية المتمثّل بالارتكاز على فلسفة "المقام"، شارحاً مقاميّ الرّاست والبيّاتيّ بإيجاز، والأشكال الموسيقيّة الكلاسيكيّة الّتي تضمّنتها الأمسية: كالبشرف، والدّولاب والتّقاسيم، والموشّح، واللّياليّ والقصيدة، والأهزوجة (أو ما يعرف بالطّقطوقة في مصر وبالقدود في سوريا...). ثمّ عرّف بالطّلاب الموجودين على المسرح من صفوف السّنة السّادسة في القسم المشرقيّ من "بيت الموسيقى"، موّزعين على آلات مشرقيّة متعدّدة كالقانون والسّنطور والعود والكمنجة والرّق والمزهر والغناء العربيّ الأصيل وغيرها...
بعدها قدّم الطّلاب فاصلًا موسيقيًّا محترفًا ورائعًا، الّذي سحر -كما دومًا- الجمهور المتابع لهم، والّذي كان يصغي بكلّ حبّ وحنين وذهول لمستوى الطّلّاب المتقدّم؛ فتراه يصفّق بين حين وحين! أو يطيّب بـ "آهٍ" من هنا أو هناك...
وقد بدأ البرنامج ببشرفٍ (شكل موسيقيّ عزفيّ افتتاحيّ طويل) من مقام الرّاست تلحين عاصم بك (تركيا)، ثمّ تلاه تقاسيم مرسلة لآلة العود أتحف بها السّامعين الطّالب جميل موسى، ثمّ تقاسيم موقّعة على دورة البمب لآلة السّنطور تألّقت بها الطّالبة إليز موسى ذات الاحساس المرهف، ثمّ تلا ذلك دولابٌ (شكل موسيقيّ افتتاحيّ قصير) مجهول التّلحين من عصر النّهضة، وبعدها غنّت الطّالبة ريان البيطار (13 سنة) موشّح "يا ترى بعد البعاد هل يفي بالوصل حبّي" من ألحان عمر البطش (1885-1950حلب) على دورة طويلة هي المحجّر المصريّ، وقد أذهلت الفتاة الصّغيرة الحاضرين باتقانها وإحساسها وتملّكها الموسيقيّ. ثمّ بعدها أتحفتنا عازفة القانون الطّالبة نجاح طنّوس بتقسيمة مرسلة من مقام الرّاست طربت لها أذن كلّ السّامعين، ثمّ ارتجلت من جديد الطّالبة ريّان البيطار ليالٍ من مقام الرّاست أظهرت فيها إحساسًا مرهفًا وتلوينًا مقاميًّا متمكّنًا. بعدها أسمعتنا الفرقة طقطوقة "حبّيت ولا بانش عليّ" الّتي لحنّها الموسيقار والعوّاد محمّد القصبجي لأم كلثوم في مطلع عشرينيات القرن الماضيّ، والّتي تألّقت فيها الطّالبة ريّان بغناها على خُطا المطربة القديرة أم كلثوم مع مجاوبة بينها وبين الشّاب إيلي شلهوب الّذي كان يسندها في جوقة الغناء الجماعيّ. ثمّ أسمعونا طقطوقة "حبيبي هوّ" الشّهيرة الّتي لحنّها محمود الشّريف للعملاق المطرب الكبير صالح عبد الحيّ.
وأخيراً قدّمت الفرقة فاصلًا من مقام البيّاتيّ تضمنّ تقاسيم مرسلة رائعة للطّالب ماريو موسى ثمّ تحميلة وتقاسيم موقّعة على الوحدة لآلة الكمنجة تألّق فيها الطّالب إليو موسى، وفي الختام قصيدة "يا جارة الوادي" من روائع محمّد عبد الوهاب، والّتي غنّتها بكلّ احترافيّة الطّالبة ريّان على طريقة المطربة اللّبنانيّة نور الهدى (أليكساندرا بدران).
وفي النّهاية، التقت الصّور التّذكاريّة، ونوّه الحاضرون بدور مؤسّسة "بيت الموسيقى" على إنجازها الرّائد الّذي يحتضن أطفال المنطقة كلّها دون استثناء، ليقدّم من خلالهم طربًا أصيلًا وموسيقًا راقية تعود بنا إلى الزمن الجميل ولكن بحلّة شبابيّة وبروحيّة عصريّة.