تحت عنوان "اللحن الثائر"، أصدرت جمعية عرب للموسيقى، كتاباً توثيقياً عن سيرة الموسيقيين اللبنانيين التاريخيين محمد وأحمد سليم فليفل.
كما أرفقت بالكتاب أربعة أقراص مدمجة "CD"، تضم مجموعة كاملة لأعمالهما من الأناشيد الوطنية، والأناشيد القومية العربية، والأعمال التربوية والدينية أو تلك الخاصّة بالأطفال.
سيوقع الكتاب مساء السبت 11 تشرين الأول في حفلة موسيقية تكريمية للأخوين فليفل تحييها الأوركسترا الوطنية بقيادة العميد جورج حرو على مسرح قصر الأونيسكو بدعوة من جمعية "عرب" للموسيقى، الدعوة عامة .
الأخوان محمد وأحمد سليم فليفل ولدا أوائل القرن العشرين في محلة الأشرفية في بيروت، وختما القرآن الكريم في كتّاب الشيخ مصباح دعبول الكائن في حي آل بيضون قرب جامع الأشرفية، ثم انتقلا إلى مدارس جمعية المقاصد الخيرية الإسلامية فالمدارس السلطانية وحوض الولاية.
منحهما الله موهبة فنيّة ورثا جزءاً منها من والديهما، وتعهداها بالعلم والتدريب والمراس، كان والدهما يتمتع بحس موسيقي فطري وشعور بالكرامة العربية، اشترى كتاب سيرة عنترة وطلب من إبنيه قراءتها له إعجاباً منه ببطولات العرب وأمجادهم، وعندما انتقل إلى السكن في محلة البسطة الفوقا، كان يتوجه إلى دكان زين لبيع الألبان في تلك المحلة، ويأخذ معه وعاءً خاصاً، ويقف منتظراً دوره وهو يردد:"لبنك لبنك يا لبان طيب لبنك يا لبان".
وكان ديب صبرا، جد محمد وأحمد لأمهما، يتمتع بصوت جميل ويتولى الأذان وفرقة الإنشاد الديني في الجامع العمري الكبير، يصطحب معه حفيده محمد لحضور حفلة الإنشاد وسماع القصائد ومنها أبيات من نظم الشيخ مصطفى نجا، هذا الاستعداد الفني دفع الشقيقين فليفل إلى دراسة الموسيقى، فتابع محمد دراستها في دار المعلمين التركية، فيما كان أحمد يدرس البيانو والنوتة الموسيقية.
وكانا يحضران مع والديهما حفلات موسيقية، كانت تؤديها فرقة موسيقى المتصرفية التي تأتي إلى بيروت، وتعزف في منشية المتحف وفي حديقة رستم باشا بإشراف ضابط إيطالي.
إستدعي محمد خلال الحرب العالمية الأولى إلى المدرسة الحربية في إسطنبول، فوجدها فرصة سانحة لمتابعة دراسة الموسيقى في معهد الفنون التركية، فيما كانت فكرة تكوين فرقة موسيقية قد إختمرت في ذهن أحمد في بيروت، الذي كان قد تعرف على عدد من الشباب الملمين بالموسيقى، وما أن عاد محمد من إسطنبول حتى باشر بشراء الآلات وأسسا فرقة من ستة وعشرين شاباً، كانا يجمعانهم في حديقة بيتهما في البسطة، يعزفون الأناشيد والألحان الشائعة، ثم أخذت الفرقة للمدارس والجمعيات وفي الأعياد الشعبية، وعُرفت باسم موسيقى الأفراح الوطنية.
في عام 1942م، وفي عهد الرئيسين ألفرد نقاش وسامي الصلح، إتصل العميد سليمان نوفل بالأخوين فليفل من أجل تأسيس فرقة موسيقى عسكرية، فصدر المرسوم رقم 6439 بتاريخ 1 أكتوبر 1942م بتأسيس موسيقى الدرك.
اشتهر الأخوان فليفل بأنهما لحنا أكثر من ألف قصيدة في موضوعات وطنية وقومية واجتماعية وتربوية، لشعراء وأدباء من مختلف أرجاء الوطن العربي، مثل الأخطل الصغير بشارة الخوري، وعمر فروخ وفخري البارودي وجورج غريب وإبراهيم طوقان ومحمد يوسف حمود وشبلي الملاط وعمر أبو ريشة وسعيد عقل وعبد الرحيم قليلات وغيرهم، ولم يفرقا بين دين وآخر، بل كانا رسل سلام ومحبة وخير للمجتمع، لحنا قصائد بمدح النبي والمسيح والعذراء مريم.
تعرض الأخوان فليفل إلى معارك عنيفة مع سلطات الانتداب، فقد وضعا لحناً يتغنى بالوطن الأكبر، فطردا من وظيفتهما، ثم أعيدا إليها بعد تدخل الشيخ محمد الجسر وجبران التويني والرئيس شارل دباس، وفي سنة 1939 لحنا نشيد العلى للعرب من نظم الشاعر المصري عبد الحميد زيدان، فهددتهما حكومة الانتداب الفرنسي بالكف عن تلحين مثل هذه الأناشيد تحت طائلة النفي إلى معتقل المية ومية ورحّلت الشاعر عبد الحميد زيدان.
كان أول نشيد لحناه في العشرينيات من نظم مختار التنير: "سوريا يا ذات المجـد والعزة في ماضي العهد، إن كنت لنا أهنى مهد فثراك لنا أهنى لحــد".
ولحنا نشيد الشهداء الذي نظمه الشاعر الشهيد عمر حمد: "نحن أبناء الألــى شادوا مجداً وعلا 'نسل قحطان فأصلا ليس نرضى الأسر".
كان الشاعر عبد الرحيم قليلات أول من شجع الأخوين فليفل ونظم لهما قصائد عديدة وأناشيد منها نشيد المدارس :
"تعهدي دروسنا وبيضي طروسنا، وهذبي نفوسنا وروضي البـدن".
وضع الأخوان فليفل للجيش اللبناني مارشات عديدة ومعزوفات للطبول والأبواق والتشريفات والثكنات، حلت محل الألحان الفرنسية، وما تزال موسيقى الدرك والجيش اللبناني تعزف ألحانهما حتى الآن.
ارتبط اسم فليفل بالألحان الوطنية والقومية في الوطن العربي، وكرمت الفرقة العربية للأناشيد الوطنية الأخوين فليفل خلال احتفالية الدوحة عاصمة الثقافة العربية 2010، كما كرمهما نادي الجسرة الثقافي وأمين عام الاحتفالية وقدم الجميع جوائز تقديرية لممثل الأخوين فليفل المهندس جمال فليفل على مسرح قطر الوطني، كما دعتهما وزارة الثقافة الجزائرية في مناسبات وطنية عديدة.