أبهر الممثل السوري مكسيم خليل جمهوره، بالشخصية المركبة التي جسدها في مسلسل "تحت الأرض"، شخصية أثارت الكثير من الجدل، ولكنها في الوقت نفسه، حفرت مكانها في ذاكرة المشاهد، لأنها عبّرت بصدق عن واقع قاسٍ عايشه شاب سوري، نشأ في بيئة مليئة بالفقر، والقسوة، والعنف.
في "تحت الأرض"، جسّد مكسيم خليل شخصية الشاب المعذّب، الذي حمل في قلبه وجع طفولة قاسية، دفعته إلى الانخراط في عالم الجريمة، حتى وصل إلى حد القتل والاتجار بالمخدرات، وتحديدًا "الخشخاش"، ومع ذلك، لم يكن هذا الوجه هو كل ما في الشخصية، فخلف تلك القسوة، برز الجانب الإنساني العميق في داخله: الأخ الحنون، الذي يرعى شقيقته ويحميها، والعاشق الذي أحبّ امرأة بكل كيانه، وواجه الموت من أجلها.
هذا التناقض الساحر بين الخير والشر، بين القسوة والحنان، جعلنا لا نكره مكسيم خليل، بل على العكس، جعلنا نتعلق به، نبرر له، ونتمنى له النجاة، رغم كل ما ارتكبه من أخطاء، ولكن النهاية جاءت صادمة، ففي الحلقة الأخيرة يُقتل، تاركًا خلفه فراغًا شعوريًا لدى الجمهور، الذي لا يزال يتساءل: "هل سنراه مجددًا في جزءٍ ثانٍ من العمل؟"
مكسيم خليل ليس مجرد ممثل، بل هو أيضًا حضور طاغٍ، يقف أمام الكاميرا بثقة نادرة، رأسه مرفوع دومًا، صوته ثابت، وعيناه تقولان أكثر من ما يُكتب في النصوص، يمتلك كاريزما لا نجدها غالبًا لدى أبناء جيله، بل نشهدها عند عمالقة الدراما، منهم سلوم حداد وأيمن زيدان وفايز قزق، أولئك الذين يتقنون أدوارهم بحرفية تُدرّس.
أما عن عنوان المسلسل "تحت الأرض"، فهو لم يكن اختيارًا عشوائيًا، صحيح أن العمل واجه بعض الانتقادات عند انطلاقه، لاسيّما بسبب تشابه اسمه مع عنوان مسلسل آخر "تحت سابع أرض"، لكن الحقيقة أن "تحت الأرض" كان دقيقًا في تجسيد فكرة العمل، فقد تم استخدام عبارة "تحت الأرض" عدة مرات خلال المسلسل.
وبالعودة إلى مسيرة مكسيم خليل، نجد أنه لا يكرر نفسه، من "رقصة مطر" إلى "ابتسم أيها الجنرال" وغيرهما، تتنوع أدواره بين المعقّدة والرومانسية، بين العاشق والزعيم، والمتمرّد، بل وحتى المتوحش في بعض الأحيان.
في "ابتسم أيها الجنرال"، تحدى مكسيم خليل الظروف السياسية، وكشف المستور عن أسرار السلطة، وجسد شخصية رئيس الجمهورية بكامل تفاصيلها، في أداء ملفت نال إعجاب الجمهور والنقاد على حد سواء، رغم التأخير الذي رافق عرض العمل بسبب الأوضاع في سوريا.
نحن اليوم، ننتظر جديد مكسيم خليل بشغف، لأنه دائماً يفاجئنا بما هو مختلف، تتلوّن شخصياته من عمل إلى آخر، لكنه يظل ثابتًا في صدقه العالي في التمثيل، وقدرته على التوغّل في عمق الشخصية، لتصبح حقيقة.