أحيت القاعات الأثرية في المتحف الوطني في بيروت أمسية استثنائية لموسيقى الحجرة، جاءت برعاية معالي وزير الثقافة الدكتور غسان سلامة وبدعوة من المؤلفة الموسيقية هبة القواس، رئيسة المعهد الوطني العالي للموسيقى.
وقد شهدت الأمسية حضورًا واسعًا من عشاق الموسيقى إلى جانب نخبة من الشخصيات السياسية والدبلوماسية والثقافية والإعلامية، ملأوا باحات المتحف العريق بأجواءٍ من الاندهاش والانبهار.
افتتحت القواس الأمسية بكلمة ترحيبية عبّرت فيها عن فخرها بهذا اللقاء الموسيقي العائلي، معلنة عن انطلاق مشروع تعليمي نوعي يتمثل بإنتاج فيديوهات تعليمية (Tutorials) لآلة البيانو، بالتعاون مع العازفة العالمية إيفيلين بيريزوفسكي، تستهدف طلاب المعهد وتسهم في تطوير التعليم الموسيقي باستخدام أدوات حديثة كالتعليم التفاعلي والواقع المعزز.
وقد أضاءت الأمسية بأنامل الثنائي فلاديمير سلوفاتشيفسكي، عازف التشيلو العالمي، ورفيقته على المسرح إيفيلين بيريزوفسكي، عازفة البيانو اللامعة. قدما معاً حواراً موسيقياً آسراً اتسم بالتناغم والشفافية الفنية، حيث أبدع سلوفاتشيفسكي في ترجمة عمق الأحاسيس من خلال تشيلوه، بينما زينت بيريزوفسكي الأداء بلمساتها الراقية وأناقتها في العزف، ما أضفى بعداً جمالياً مميزاً على الأمسية.
تنوّع البرنامج الموسيقي بين روائع شومان وراخمانينوف وشوستاكوفيتش، مقدماً للحضور بانوراما غنية من الأحاسيس والتعبير الفني. وقد برز الأداء في "Adagio" لشوستاكوفيتش، حيث حملت نغمات التشيلو إحساسًا داخليًا عميقًا تخللته لحظات من الصمت التأملي، بينما أضاف البيانو خلفية حالمة عمّقت من التجربة السمعية. أما في "Fantasy Pieces" لشومان و"Vocalise" لراخمانينوف، فقد تجلى التفاعل البديع بين الآلتين، ليختتم الحفل بـ"سوناتا شوستاكوفيتش" و"سوناتا راخمانينوف" في حوار موسيقي بلغ ذروته بالإتقان والانسجام.
الأمسية لم تكن مجرد عرض موسيقي، بل كانت تجربة فنية راقية جمعت بين أصالة المكان وعمق الأداء، وأكدت على دور المعهد الوطني في استضافة أهم نجوم الموسيقى العالمية وتعزيز مكانة لبنان كمركز ثقافي يحتضن الجمال والإبداع.