سنوات مرت على عرضها المسرحي الأول، وقد حملت ثقافة لبنان إلى العالم، ليس من خلال أعمال وطننا وإنتاجاته، بل من خلال قديسيه الذين تحدوا أعداء المحبة، وسخروا حياتهم لراحة الإنسان، وإبعاد آلامه عنه، بداية من صراعه مع نفسه، مروراً بالتضحية والثبات، وصولاً إلى أعلى رتب الروحانية وهي القداسة، فقد إنطلق "القديس مار شربل" من لبنان، ولكل لبنان، وأصبح بعدها قديساً في كل أنحاء العالم.


مار شربل قديس فريد من نوعه، فهو يأتي إلى حياة الناس في الوقت المناسب، ففي العديد من المرات، ظهر في صور العديد من المواطنين بشكل مفاجئ، وشفى العديد منهم، مسلمين، دروز، مسيحيين، لأنه يعلم ما في عمق القلوب.
عظمة مار شربل هي بتواضعه التي هي سمة القداسة، وفي عام 1977 كتب وأخرج المبدع ريمون جبارة مسرحية "القديس شربل"، وجمع كبار الممثلين، وبعد أن قدمها على المسارح اللبنانية، أصر رئيس الجمهورية حينها إلياس سركيس على عرضها في روما، ليبرهن للعالم أن لبنان بلد القديسين وليس بلد الحـ رب والإرهـ اب.

سنة 1977 عرض ريمون جبارة مسرحية "شربل" عن حياة القديس شربل، وجمع فيها أهم الممثلين، منهم أنطوان كرباج بدور "الشك"، رفعت طربيه بدور "القديس شربل"، منير معاصري بدور "القديس بالمحبسة"، كميل سلامة بدور "الراهب الذي يترك الدير"، رضا خوري بدور "والدة القديس"، نايلة خوري بدور "الزانية ، وبمشاركة مصممة الرقص جورجيت جبارة برقص تعبيري، بالإضافة إلى أكثر من ثلاثين ممثلاً، والمسرحية كتابة وإخراج ريمون جبارة.
تدور المسرحية حول القديس "شربل"، أي "يوسف مخلوف"، منذ ولادته في بقاع كفرا – شمال لبنان، مروراً بالتجارب وإنتمائه إلى الرهبنة، وصولاً إلى المحبسة ومن ثم موته.
وقد عرض ريمون جبارة بعد المشاهد من الأماكن التي تواجد فيها القديس شربل خلال حياته، عبر شاشة رافقت العرض المسرحي.

وكشف الممثل رفعت طربيه، خلال حديثه مع سفيرة الإعلام الهادف الإعلامية هلا المر، بعض التفاصيل التي تم تغييبها عن المسرحية، قائلاً: "ريمون جبارة لم يقترب من مذابح سنة 1860 في القصة، مع أنه لو دخل في هذا الموضوع لكان حصد آلاف المشاهدين، بشرط أن يعمل مار شربل فلاحاً بالأرض، ويمكن أن يكون من أي طائفة، لأنه قديس من لبنان، وأصر رئيس الجمهورية إلياس سركيس على هذه الفكرة، وعلى عرض المسرحية في روما، وتكلف بالمصاريف لإثبات أن لبنان ليس بلد الحرب بل بلد القديسين، إلياس سركيس كانت لديه روحانية كبيرة جداً وإنسانية".
كما صرح طربيه قائلاً: "التحضيرات لهذا العمل المسرحي كانت تتم في دير سيدة البير في بصاليم، ويمنع على الممثلين الخروج من الدير لمدة شهر".
وبعد مبادرة الرئيس إلياس سركيس، عرضت المسرحية في أعظم المسارح في إيطاليا – روما "Teatro Sistina، خلال فترة تقديس "شربل" في الفاتيكان، وترأس القداس ورتبة التقديس حينها قداسة الحبر الأعظم بابا روما بولس السادس، وقد طلب المنتج الأب مارون عطا الله من اللبنانيين الذين حضروا إلى روما والذين شاهدوا العمل في بيروت، عدم حضور المسرحية مجدداً، وذلك إفساحاً بالمجال للجالية اللبنانية في روما لحضور المسرحية. وتم عرض المسرحية لأربعة أيام، كانت خلالها كل المقاعد ممتلئة بالحضور.
الإحتفال لم يقتصر على الحاضرين داخل المسرح، بل كانت معظم الإذاعات في لبنان والعالم رافقت هذا الحدث، منها إذاعة لبنان، وإذاعة صوت لبنان، وردايو مونتي كارلو، وفي حال كان قد تم حفظ هذه المسرحية في أرشيف إحدى المؤسسات التي ذكرناها، فإننا نتمنى إعادة بثها في المناسبات الدينية وأعياد القديسيين.

بعد 20 عاماً عرضت المسرحية من جديد، لكن تبدلت بعض الأدوار بسبب إعتذار الممثلين عن مشاركتهم لإلتزامهم بأعمال أخرى، فبعد إعتذار أنطوان كرباج عن دور "الشيطان"، طلب رفعت طربيه من ريمون جبارة، أن "يترقى من دور القديس إلى دور الشيطان"، بالطبع طربيه يقصد بكلمة ترقى أي يجسد دوراً أصعب، فقبل ريمون جبارة، وأبدع رفعت طربيه بأداء هذا الدور الرائع.
رفعت طربيه أبدع بالدورين، حين جسد دور القديس ودور الشيطان، وهذان الدوران المتناقضان أثبتا أن رفعت طربيه ممثل لديه كفاءة عالية، ورفع مستوى التمثيل بقدراته التمثيلية الكبيرة.
قصة "شربل" على المسرح لم يقدمها ولن يقدمها أحد بهذه المهارة إطلاقاً، فقد رسخت في قلوبنا وعقولنا، وهي بفضل ريمون جبارة والممثلين، طبعت في ذاكرتنا، وعكست وجه الحضارة والثقافة والقداسة الخاص بلبنان، خصوصاً أن الممثلين اللبنانيين لا منافس لهم على صعيد القدرة والمهارة، فكل لبناني مؤمن فخور بهذا العمل المنطقي، ذي النص الرائع والإخراج المحترف، وبتقنية الممثلين في أداء أدوار الخير وأدوار الشر.
بمحبة نقول: "نحن بحاجة إلى سنين طويلة وربما قرون، ليأتي مخرج وكاتب عظيم يكون منافساً لـ جبارة في مجاله".