عرضت Public Matters Lebanon الفيلم الوثائقي "كرخا: قرية من لبنان"، في مسرح المدينة، بعد سلسلة عروض في مسرح مونو، قبل أن يستكمل الفيلم جولته في المناطق اللبنانية، وهو من كتابة جولي أبو شقرا، ومن إخراج ناصيف الريس، وتم إنجازه بدعم من رجل الأعمال شارلي إ. حنا، الذي لطالما قدّم دعماً لعدد من القضايا في الميادين الرياضية والإنسانية والتربوية والتنموية، واليوم، يشمل إهتمامه المجال الفني الثقافي، من خلال هذا العمل السينمائي، الذي تأهّل إلى المرحلة النهائية في Cannes World Film Festival.
قصة الفيلم
تدور أحداث الفيلم في قرية في جنوب لبنان إسمها كرخا، حول الهجرة اللبنانية التي بدأت منذ القرن التاسع عشر، وما زالت مستمرة حتى اليوم. وكان لافتاً أن جميع الممثلين المشاركين في هذا العمل، هم من سكان القرية.
يتميز الفيلم بإستعراض المراحل التاريخية، وما تتميز به كل حقبة.
يستعرض الفيلم جمال الطبيعة اللبنانية وغناها بأدق تفاصيلها، ويطرح على المشاهد أسئلة محورية عن التعلق بالأرض ومواجهة التحديات، ويحرك مشاعره التي تتأرجح بين البقاء والهجرة، فجاء الحوار بين الأب وإبنه، ليسلط الضوء على دور الأهل، ومن خلال تشجيع أولادهم على العودة إلى بلدهم من وقت إلى آخر، والمحافظة على التواصل معهم بمختلف الأشكال. طرح الفيلم مواضيع مفصلية، وتمكن خلال 45 دقيقة من تشريح الواقع اللبناني، ووضع النقاط على الحروف بشكل مهني.
موقع الفن إلتقى المخرج ناصيف الريس، والكاتبة ومؤسسةPublic Matters Lebanonجولي أبو شقرا، وكان لنا معهما هذان الحواران.
ناصيف الريس
ما هي المنهجية التي اعتمدتها لإطلاق سلسلة من الأفلام الوثائقية، وأولها "كرخا"؟
تطلب إطلاق المشروع دراسة طويلة لكيفية إدخال المعلومات في الفيلم، مع المحافظة على القصة الأساسية، وهي الهجرة اللبنانية، واللبنانيين الذين غادروا لبنان، ولم ينسوا بلدهم، وهم الأمل للشعب اللبناني وللسنوات القادمة. كل حلقة تسلط الضوء على فكرة جديدة، وعلى فكر معين، وستكون منفصلة عن الأخرى، وستشمل قرى من الشمال والجنوب، وقد يكون لبعض الحلقات أكثر من جزء واحد إذا تطلب الأمر، ومدة كل فيلم 45 دقيقة.
ماذا عن الحلقات الأخرى؟
العمل جارٍ منذ عام على عشر قرى، والتحضيرات تتضمن في البداية إطلاق عشر حلقات.
ما الذي جذبك إلى إخراج هذا النوع من الأفلام؟
توليت إخراج أفلام وثائقية عن التاريخ اللبناني، وكل ما يتعلق به، وأفلام عن البيئة بالتعاون مع أساتذة جامعيين من الجامعة الأميركية ومهندسين بيئيين للعمل على تحسين البنية التحتية، وتوليت مشروعاً كبيراً مع الجامعة الأميركية ومع جامعة اللويزة، بهدف التثقيف، لذا أملك تاريخاً في الأفلام الوثائقية، الهادفة إلى التغيير في المجتمع اللبناني.
جولي أبو شقرا
أخبرينا أكثر عن فكرة الفيلم وكيف إنطلقت.
Public Matters Lebanon تعنى بتربية الأولاد، وبتطوير مهارات التعاطف والقيادة لديهم، ولكي يكتسبوا هذه المهارات، هم بحاجة إلى قدوة، لذا قررنا الإبتعاد عن مصادر التمويل الخارجي، التي تكون غالباً مرتبطة بأجندات خارجية غير معروفة النوايا، ولنعلّمهم أن يعملوا بعرق جبينهم، ومن هنا جاءت فكرة "أبطال من الدار"، وهي فكرة تجسدت بدعم من رجل الأعمال شارلي إ. حنا، الذي هاجر والداه الى بوسطن، ولم يتوقف حبه لأرضه، حتى قرر العودة، ونجح في وضع كرخا على خريطة السياحة الثقافية. عام 2019 خلال الأزمة الإقتصادية، لعب المهاجرون دوراً أساسياً في تقديم الدعم، ووجدنا أن المغترب اللبناني هو الذي مد يده للمساعدة، وهم الجنود المجهولون الذين يبقون في الظل.
لماذا وقع الإختيار على قرية كرخا في البداية؟
إخترنا كرخا لأنها بعيدة عن بيروت، ولا يعرفها معظم الشعب اللبناني، وهي من القرى التي هاجر أبناؤها، وإنطلقت الفكرة لتعريف الجيل الجديد على أصالة القرى اللبنانية وعلى جذورها، بعد أن أصبح المجتمع إستهلاكياً، ولا يتابع الأخبار المتعلقة بالوطن. فيلم كرخا يجمع اللبنانيين حوله، ويصحح نظرة الشباب اللبناني إلى الوطن وقراه، ونأمل أن نصل في هذا السياق إلى عدوى إيجابية.
كميل متى
وكان لنا هذا اللقاء مع الممثل كميل متى، الذي كان من بين الحضور.
ما هو إنطباعك عن فيلم كرخا؟
فيلم جميل جداً يتطرق إلى قرية لبنانية، ويطرح موضوع الهجرة، ويتميز بنبذة تاريخية تثقيفية، ومع الأسف قدر لبنان أن يهاجر أبناؤه منذ حوالى الـ 200 عاماً، وحين يغادر اللبنانيون البلد تبقى جذورهم متعلقة بالوطن، وهذه رسالة مهمة. أتمنى أن يعرض هذا النوع من الأفلام في صالات السينما، لأن الجمهور بحاجة إلى ذلك، كرخا فيلم وثائقي مسلٍّ، ويحمل رسالة تثقيفية وسياسية، ويدعو اللبنانيين إلى الوحدة، كفانا إنقسامات تافهة "ما بتحرز".
ما رأيك بهذا النوع من الأفلام؟
أحب هذا النوع من الأفلام، وأشجع أن تأخذ طابعاً درامياً، وأن يشارك فيها ممثلون محترفون، لكن المشكلة أننا في بلد لا يملك سوقاً، والصناعة بحاجة إلى سوق، وغياب الدولة لا يشجع. عادة تكون الإنتاجات الفنية مدعومة من الدولة، لأن المنتج بحاجة إلى دعم، لكننا ما زلنا في إطار المبادرات الفردية. أطالب الدولة اللبنانية، عبر موقع "الفن"، أن تكون وزارتا الثقافة والإعلام سياديتين، كي نستطيع أن ننهض بالبلد من جديد.
لماذا إتجهت إلى عمل خاص بك إلى جانب التمثيل؟
المادة جزء أساسي لإستمرارية الحياة، وهي سياج للكرامة. نحن بحاجة إلى المادة، ولا يدخل الممثل الى عالم التمثيل من أجل أهداف مادية، حتى أن الممثلين المحترفين في هوليوود، لديهم أشغال أخرى، وتكون البداية مرحلة ذهبية، وبعدها تكون لديهم بعض الأعمال، ونحن ندخل مباشرة ببعض الأعمال، ولا نصل إلى الأعمال الذهبية. والدي شوقي متى كان يقول إن الفن هواية وليس مهنة، وإننا مبادرات فردية، ولم نصل إلى مستوى الصناعات الفنية، لأن الصناعة بحاجة إلى حماية من الدولة، وإلى خلق فرص عمل وسوق للعمل، وإلى التبادل الثقافي الغائب عن الدولة منذ وجودها حتى اليوم. وحتى تحقيق هذه الأهداف، من واجب الفنان أن يكون له عمل آخر ليصون كرامته.
ما رأيك بوضع الدراما حالياً؟
أشك بوجود وضع دراما جيد في ظل وضع سياسي وإعلامي وأخلاقي منحط. الفنون تشبه أوطانها، وهوية البلد مهزوزة، ونحن نعاني من دمار شامل أخلاقي ونفسي بعد إنفجار المرفأ، وهذا الأمر لا يمر مرور الكرام. أؤمن بالأمل وبطائر الفينيق الذي هو رمز لبنان، لنعود وننطلق إلى مرحلة أفضل. نمر حالياً بفترة زمنية تترافق مع إهتزار وغليان المنطقة بالحروب، ونأمل أن نتجاوز الأزمة وبسرعة. علينا أن نتخلى عن الأنا، وأن يتكاتف الجميع مع بعضهم البعض، مثل الأجيال القديمة التي كانت تحب بعضها البعض، ولم يختلفوا يوماً على الوطن.
لو كان والدك الممثل شوقي متى على قيد الحياة، رحمه الله، كيف كان سيعلق على الوضع الحالي؟
بالطبع ما أقوله يلاقي فكر الوالد، لاسيما أنني أستلهم من أفكاره وثقافته وتربيته، كان سيعبّر عن نفس الأفكار ولكن بأسلوبه الخاص، هو المعروف بسعة إطلاعه وثقافته، وأنا راغب بالتشبه به، وتخصيص وقت أكبر للقراءة.