11 عاماً مرت على إطلاق فكرة مشروع الفيلم المصري "رحلة 404"، حتى تحول هذا العام ليصبح واقعاً ويفاجئ صناعه وممثليه حتى بالنجاح الباهر الذي حققه.
هي رحلة بالفعل، عاشتها "غادة" الشخصية الرئيسية التي تؤديها الممثلة المصرية منى زكي، مثقلة بالذنوب وبالشعور بالذنب بسبب ما إقترفته في الماضي، وفي داخلها رغبة عارمة بسلك طريق الله حتى الوصول إلى التوبة التي تطمح لها.
ولكن كما هي الحياة، تمر غادة بإمتحان صعب للغاية، حيث تجد نفسها بحاجة ماسة للأموال التي دفعتها للحج، بعد أن تدخل والدتها (التي لم تكن تحبها بالأساس) إلى المستشفى إثر حادث سير تتعرض له، وتخضع لعلميتين جراحيتين بتكلفة عالية جداً، ولتأمين هذا المبلغ تبدأ بالتخبط مع نفسها بوجود مغريات مختلفة أمامها، بإمكانها إعادتها لحياتها السابقة، حيث يصبح البحث بين أشباح حياتها القديمة السبيل الوحيد للحل.
في النصف الثاني من الفيلم، نجد غادة التي بدت في النصف الأول ثابتة على موقفها من التوبة ومن الذهاب إلى الحج، بدأت تخف عزيمتها، وذلك بجملتها "أنا رايحة أحج بس مش ثابتة"، بعد أن تكون قد لجأت لعدد كبير من أصدقائها، لتجد أن كل منهم اقترف الخطايا، كلٌ بطريقته، حتى العلاقات التي قد نظنها مقدسة أو يُفترض بها الإيثار والتضحية (مثل علاقتها بوالدها ووالدتها) تظهر ملوثة ومفخخة، كل شخص في حياة غادة سيء بطريقته، والجميع غير مقتنع بتوبتها بطريقته، وكل شخص يريد أن يسلفها المبلغ بقابل خطية على مزاجه، لنرى حبكة عمل مكتملة لا تشوبها شائبة، قادرة على حبس أنفاس المشاهد، مع كل إمتحان جديد تقف أمامه، منتظراً بحماسة أن تتمكن من إجتيازه بنجاح، كنوع من بصيص الأمل الذي نتمناه جميعنا.
ننتقل من قصة العمل التي شكلت العامل الأول لنجاحه لا محال، للعامل الثاني الذي تجلى بأداء الممثلين الخرافي، والذي جاء بسيط وسهل أوصل الفكرة من دون أي نوع من المبالغة وبحرفية عالية.
وإن كانت منى زكي هي الشخصية الرئيسية والتي تُكتب مقالات طويلة عن موهبتها اللا محدودة، سنتركها للختام، ونتحدث عن الأبطال الآخرين مع أن مساحة دورهم لم تكن كبيرة.
تنتقل "غادة" في رحلتها بين شخصية وأخرى بهدف الحصول على المبلغ، حتى نراها تنتقل بين موهبة وأخرى من الممثلة شيرين رضا بشخصية "شهيرة" التي لعبت دورها بنضوج وهدوء واضح، لتنتقل إلى الممثل محمد علاء بشخصية "هشام" الذي تمكن من مشاهد قليلة وكلمات أقل أن يجعل المشاهد يعي جيداً تاريخه السيء وتأثيره الأسوأ على حياة غادة في الماضي، وإلى الممثل خالد الصاوي بدور ياسر، وإلى الممثل محمد ممدوح بدور "طارق عبد الحليم"، إلى محمد فراج بدور "طارق عبد الحميد"، كل قدم دوره بحرفية وأداء تمثيلي مدهش، أظهرا المشاكل النفسية التي تعاني منها الشخصيات، والتي حمّلت عبئها لشخصية "غادة" والذي ظهر واضحاً من دون بذل مجهود يذكر، بل بسلاسة وعفوية واضحين، دون أن ننسى بالطبع أداء الممثلين حسن العدل وعارفة عبد الرسول بدور الوالدين الحاج سعيد وسهير، والممثلة نادية شكري بدور السيدة التي تساعدها "غادة"، التي عادت بعد سنوات طويلة للجمهور بهذه الشخصية البسيطة.
وصولاً أخيراً للممثلة منى زكي، التي تعدت، ومنذ زمن طويل مرحلة الموهبة التي يمكن تجاهلها، أو إرجاعها لضربة حظ، من تعابير وجهها التي تعيّش المشاهد إحساسها كما هو وتدفعه للتفاعل معها بقدرتها على السيطرة على إنغماسه في العمل.
ننتقل أيضاً للحديث عن عامل الحوار، الذي إتسم بالسلاسة والعفوية، وجاء ملائم للشخصيات وإنفعالاتهم، وبدا حقيقياً للغاية لا تكلف فيه ولا محاولات شاقة لجعله عميق للغاية بقدر عمق القصة، يمكننا القول أن عمق القصة وصل بحوار سهل للغاية.
وتمكن "رحلة 404" من تحقيق نجاحات مبهرة بصناديق المبيعات حيث جنى في مصر 18 مليون جنيه مصري ما يساوي 33 مليون و500 دولار، و3.5 ملايين ريال سعودي أي ما يساوي 932 ألف و943 دولار متصدرا شباك التذاكر السعودي، وفقا لبيانات الهيئة العامة لتنظيم الإعلام.
بإختصار وبعوامل ناجحة بمقاييس عالمية، نجح الفيلم نجاحاً باهراً ورفع مستوى التحديات لبطلته منى زكي بشكل كبير، فكل ما تقدمه من بعده لا يمكن التساهل أبداً في إنتقاءه.
يذكر أن الفيلم بطولة منى زكي، وشيرين رضا، ومحمد فراج، ومحمد ممدوح، وخالد الصاوي، ومحمد علاء، وحسن العدل، وجيهان الشماشرجي مع عودة مميزة لنادية شكري. كتبه محمد رجاء، وأخرجه هاني خليفة الذي يعود به للسينما بعد غياب دام 9 سنوات.