تشكل المهرجانات السينمائية جزءاً كبيراً من الاهتمام والثقافة العربية، لاسيما وأنها أصبحت في السنوات الأخيرة تحديدا هي الوسيلة الآمنة للحفاظ على تواجد السينمائيين مع استمرارية صناعة أفلام حتى وإن كانت تحت مسمى العبارة الشهيرة "فيلم مهرجانات" فمع تصاعد تكاليف الإنتاج أصبحت السينما صناعة تواجه كثير من التعثرات والأزمات ربما لا تحقق عوائدها المرجوة منها من حيث الانتشار الجماهيري والعوائد المادية خصوصًا بعد أن أصبحت المنصات الإلكترونية هي المسيطر الأول على الساحة السينمائية تحديدًا منذ أربعة سنوات بعد ظهور فيروس كورونا الذي ضرب بعاصفه صناعة السينما على مستوى العالم.


جاءت أحداث الحرب على غ ز ة التي اندلعت في تشرين الأول/أكتوبر الماضي لتحدث بعض التغييرات في خريطة المهرجانات السينمائية بالمنطقة ما بين تأجيل إلى أجل غير مسمى أو التمسك بإقامة المهرجانات بمفهوم يتوازى مع الظروف التي تمر بها فلسـطين ويحاول أن يكون مساهمًا بشكل فعال في تلك الأزمة، وهو ما وضعته إدارة مهرجان الجونة السينمائي في الاعتبار بعد الإعلان عن عودته من جديد، بعد مرتين متتالتين من التأجيل حيث كان من المقرر إقامة الدورة السادسة في الفترة من ١٣ إلى ٢١ من تشرين الاول/أكتوبر الماضي ثم تم تأجيلها لتصبح في الفترة من ٢٧ تشرين الأول/أكتوبر إلى ٢ تشرين الثاني/نوفمبر مع تصاعد أحداث الحرب في غ ز ة ومع التبرع بمبلغ ٥ مليون جنيه لدعم جهود الإغاثة الإنسانية لأهالي غ ز ة، وذلك بالتعاون مع مؤسسة ساويرس للتنمية الاجتماعية والهلال الأحمر المصري.

يعود المهرجان في منتصف كانون الأول/ديسمبر المقبل في الفترة من ١٤ إلى ٢١ كانون الأول/ديسمبر باحتفاء خاص بالسينما الفلسـطينية وبدعم مادي يصب لفلسـطين، تحت شعار "دورة استثنائية" حيث تم إضافة برنامج مهدى إلى السينما الفلسـطينية، إلى جانب برنامج المهرجان الـذي أُعلن عـنه مسـبقاً، يتضمن عـرض مجـموعـة أفـلام عـن فلسـطين بــالــتعاون مــع مــؤســسة الــفيلم الفلســـطيني، وذلــك لإلــقاء الــضوء عــلى الــموقــف الــحالــي والأوضــاع غــير الإنـسانـية فـي غـ ز ة، كـما تـقرر تـنظيم عـشاء لجـمع الـتبرعـات للمساعدات الإنسانية في غ ز ة بـالـتنسيق مـع جـمعية الهـلال الأحـمر الــمصري خــلال فــترة المهــرجــان.

تؤكد الممثلة المصرية الكبيرة يسرا، عضو اللجنة الاستشارية لمهرجان الجونة السينمائي، أنه على مدار الفترة الماضية كانت هناك جلسات مستمرة مع فريق عمل المهرجان من أجل إتخاذ قرار العودة، مع الإشارة إلى أن المهرجان كان أول من إتخذ قرارًا بالتأجيل قبل أي مهرجان آخر لذلك كان موقفه واضحًا من القضية الفلسـطينية لكن مع ذلك لم يكن من المنطقي أن يكون مهرجان يرفع شعار سينما من أجل الإنسانية ويتخلى عن دوره في ظل الظروف العصيبة والمؤلمة التي يمر بها الشعب الفلسـطيني، فالسينما صناعة تلعب دور هام في التعبير عن قضايا وأزمات الشعوب وتوصيل صوتهم للعالم، وعلى مدار الأحداث التي تعيشها فلسـطين منذ زمن بعيد لم تتوقف أصوات صناع السينما هناك فقد اتخذوا على عاتقهم إيصال قضيتهم لشعوب العالم بتقديم أفلام تعبر عن ذلك وتطوف في أكبر وأهم المهرجانات الدولية.

وتشير يسرا إلى أن قرار إقامة المهرجان كان ضروريًا للتأكيد على هذا المفهوم، منوهة إلى خلو الفعاليات كاملة من أي مظاهر احتفالية حيث سيتم تغيير لون السجادة الحمراء "ريد كاربت" إلى اللون الأسود تضامنًا مع الأحداث ولن تحمل أية مشاهد معتاد حدوثها بحفلي الافتتاح والختام الذي سيكون أيضًا في أبسط مظاهره مع الاقتصار على إقامة عروض الأفلام والورش والماستر كلاس.

وتنوه يسرا إلى أن إقامة برنامج يحتفي بالسينما الفلطسـينية هو فرصة لإلقاء الضوء وطرح القضية أمام عدد كبير من الضيوف المتواجدين بالمهرجان من مختلف أنحاء العالم خصوصًا وأن هناك العديد تغيرت مواقفهم بعد الأحداث الاخيرة واعلنوا تضامنهم مع فلسـطين بشكل واضح.

الناقد المصري طارق الشناوي الذي كان قد أعلن قبل أيام من الإعلان الرسمي عن عودة مهرجان الجونة، أكد أنه كان أكثر المعارضين لفكرة إلغاء المهرجانات بشكل عام منوهًا أن التأجيل والإلغاء يستحيل أن يكون حلًا، واصفًا الإلغاء بكونه "ابغض الحلال" بحسب وصفه بمعنى أنه ليس أفضل الحلول وبالتالي اللجوء إليه لابد أن يكون آخر حل، وهو ما انتبهت إليه إدارة مهرجان الجونة من حيث التبرع لصالح دولة فلسـطين على سبيل المثال، وأشار إلى موقف الفنان المصري عمرو دياب عندما أعلن في البداية أنه لن يغني ثم أقام حفلًا في مدينة دبي وتبرع بجزء من إيراداته حفله لصالح أهالي غ ز ة، وفي الماضي كانت كوكب الشرق أم كلثوم تقيم حفلات غنائية بعد هزيمة 1967بشهرين فقط سواء في مصر أو العالم العربي، وكانت إيراداتها تذهب لصالح القوات المسلحة.

وأعرب الشناوي عن سعادته بعودة مهرجان الجونة، متمنيًا أن نتعلم كيف يمكننا من خلال المهرجانات والتظاهرات أن نقاوم وألا نغلق ونقيم الحداد فجميع الفعاليات لابد أن تستمر، مؤكدًا أن النجوم الأجانب الذين سيتواجدوا بمهرجان الجونة سيكونوا بمثابة أعين ناقلة إلى العالم صورة وموقف الدولة المصرية أيضًا من القضية والذي بدى واضحًا منذ بداية الحرب.

وتابع طارق وبالرغم من الاحتفاء بعودة مهرجان الجونة وإقامة مهرجان البحر الأحمر السينمائي في دورته الثالثة والذي يستمر حتى ٨ كانون الأول/ديسمبر وسط التزام تام ايضًا بإلغاء كافة المظاهر الاحتفالية تضامنًا مع القضية الفلسـطينية، لكن الحزن لا يزال مسيطرًا على الأوساط السينمائية بعد إلغاء الدورة ال ٤٥ لمهرجان القاهرة السينمائي والتي كان من المقرر إقامتها منتصف تشرين الثاني/نوفمبر الجاري، وهنا يعلق طارق الشناوي مؤكدًا أن الموقف بين مهرجاني الجونة والقاهرة يختلف، حيث كان من الصعب على الممثل حسين فهمي رئيس مهرجان القاهرة السينمائي إتخاذ قرار بالتأجيل لأنه في نهاية الأمر يتحدد موعده بناءً على الإتحاد الدولي للمنتجين وبالتالي لا يمكن تأجيله في المطلق، ولا بد من العودة للاتحاد الدولي لمعرفة اجندته السنوية وهذا أمر مستحيل بعكس الجونة الذي لا يندرج تحت هذه المظلة.