وزّعت مؤسسة بوغوصيان جوائزها السنوية للفنانين اللبنانيين الشباب، في أروقة مكتبها في بيروت، لاغية الاحتفال الرسمي الذي يقام كل سنة للمناسبة، وذلك تضامناً مع أهل غزّة وشعبنا في جنوب لبنان وخصوصاً الفنانين الذين سقطوا خلال الحرب.


وبحضور الفنانين ومدراء المؤسسات الثقافية الشريكة "سينما لبنان" و"جمعية السبيل" وأعضاء من لجان التحكيم، قالت مديرة المؤسسة في بيروت ماري بوغوصيان سلامة: "يؤسفنا أن نوزّع جوائزنا اليوم في وقت يمرّ به لبنان بمرحلة حساسة خصوصاً في الجنوب، وليس بعيداً منه يموت آلاف الضحايا في غزّة بينهم أطفال وفنانين وصحافيين. نحن كمؤسسة ثقافية غايتها مدّ جسور بين الثقافات ودعم الفن والفنانين الشباب ليقدموا أعمالاً مبتكرة تثير الأسئلة وتمنحنا مزيداً من التأمل والتفكير، ندين المجازر ونأمل أن تحتفل العام المقبل بظروف أفضل".

محمد غدار... الفن آداة للتغيير

ومنحت لجنة التحكيم المؤلّفة من جوزيف رستم (مدير المكتبة الشرقية في الجامعة اليسوعية والمدير السابق لأكاديمية الفنون الجميلة في بيروت ALBA)، والفنانين التشكيليين تغريد درغوث والياس كردي، جائزة الفنون البصرية للفنان أحمد غدار الملقّب بـ "Renoz"، الذي حصل على 5000 دولار، إضافة الى بطاقة سفر وإقامة فنية مجانية في فيلا أمبان في بروكسيل حيث المقرّ الرئيس لمؤسسة بوغوصيان. مع العلم أنه تقدّم للجائزة 14 مرشّحاً.

يحمل أحمد البالغ من العمر 29 عاماً، شهادة من كلية الفنون والعمارة في الجامعة اللبنانية، وشاركت أعماله في العديد من المعارض الفنية الجماعية والمهرجانات والبيينالي في أوروبا. ويعرض له حالياً عملاً في متحف سرسق ضمن تظاهرة "أشغال داخلية". ويعتبر غدار أن للفن قدرة على التغيير في المجتمع، لذلك تتمحور أعماله حول الفساد والقضايا السياسية والاجتماعية والاقتصادية والبيئية الملحّة. وقد أِادت لجنة التحكيم بإتقان غدار التقنيات الفنية المختلفة والمتنوعة في وسائل التعبير بدءاً من والرسم والنقش النحت الى فن الشارع والتجهيزات الفنية.

وقالت تغريد درغوث: "غدار من أكتر المتقدمين للجائزة، نضجاً، على مستوى الفكرة وبالتنفيذ. فالأفكار التي يشتغل عليها تحاكي وتنتقد الوضع اللبناني الحالي بأسلوب ذكي، وبحسّ ساخر عالي، كما يمكنه أن يوظّف فكرته تقنياً بالرسم والتجهيز والتركيب بطريقة جميلة بصرياً. وقد اخترناه لأن أعماله تعد بأفق لتجربته في المستقبل".

سينما من القلب

أما فيما يتعلق بجائزة "سينما من القلب" التي تُمنح بالتعاون مع "سينما لبنان" (Liban Cinema) ومخصّصة لتوزيع العمل والترويج له، ففاز بها الفيلم الوثائقي "الألبوم" للمخرج عمر جبريل (قيمة الجائزة 10 آلاف دولار). وقال منتج الفيلم سيريل باسيل الذي تسلّم الجائزة نيابة عن جبريل: "يتناول الفيلم قصص وحكايات شباب من مجتمع الميم عين وكيف أخبروا ذويهم عن هويتهم الجنسية، كما يتطرق لكيفية تكوين هذه الهوية في بلد مثل لبنان وربطها بمراحل الطفولة والمراهقة والبيئة المحلية والعائلة".

وأكد صفي الدين أن اللجنة اختارت "الألبوم" لأنه فيلم ذات قيمة فنيّة عالية، وهو متكامل متماسك يجمع بين الواقع والحميمية والبوح، ومشغول بحب ومهنية سواء على مستوى النص أو التصوير أو الاخراج أو طرح الأفكار ومعالجتها".

وأثار انتباه صفي الدين الى أن المشترك في الأفلام الاربعة المتقدمة للجائزة، أن جميعها وثائقية وتتناول موضوع الهوية الجنسية بشكل أو بآخر". وأحال "السبب الى الصمت الذي يحاصر هذه القضايا المتعلقة بأعضاء مجتمع المين عين وموجات الكراهية والقمع التي يتعرضون لها، وهي قضية صارت اليوم ملحّة وتحتاج الى البوح وطرح الأسئلة، ومن المهم أن نعطي مساحة ودعم ليعبّر هؤلاء عن هواجسهم بحرية".

وتلقّت لجنة التحكيم المؤلّفة من ماري بوغوصيان سلامة، والسينمائي جان كلود قدسي، والمخرج والمنتج وديع صفي الدين، أربعة أفلام للمنافسة على الجائزة. وهو عدد قليل جداً مقارنة مع السنوات الماضية.

وشرحت نايلة دوفريج أن "اللجنة تفاجأت بعدد المرشّحين للجائزة، إذ عادةً ما تتلقى المؤسسة ضعف هذا العدد". وتابعت: "لكن يبدو أن الأوقات الصعبة سياسياً واقتصادياً التي يمرّ بها لبنان وتعاني منها المؤسسات الثقافية والمؤسسات الداعمة والمموّلة لصناعة السينما المعروف أنها مكلفة جداً وتحتاج الى فريق عمل كبير وإنتاج ضخم، أثّرت سلباً على كل قطاع السينما في البلاد".

أدب الأطفال والناشِئة باللغة العربية

وفي ما يتعلق بجائزة أدب الأطفال والناشئة للكتاب المنشور الموجّه للفئة العمرية بين 8 و12 سنة، فقد تقاسمها كاتب قصة "ثعلب في بيتي" (عن دار أصالة) الدكتور أنطوان شرتوني (قيمتها 1500 دولار) والرسام عبدالرزاق الصالحاني (قيمتها 1000 دولار). الجائزة بالأساس كانت موجهة للكاتب، ولكن ونظراً للعمل المميز الذي قدمه الرسّام في هذه القصة، قررت اللجنة منح الجائزة للكاتب والرسّام. كما ونوهت اللجنة بكتاب "عندي خطة"، للكاتبة زينة فيصل زين الصادرة عن دار الساقي.

فيما ذهبت جائزة مخطوطة أدب الناشئة الموجهة للفئة العمرية بين 13 و15 الى جنى سليقة البالغة من العمر 23 سنة، عن قصّتها "البحر يُحدّثني لي أحياناً". ونوهت اللجنة بمخطوطتين إضافيتين لكل من مريم حيدر وخالد فرشوخ واللذين أعادا صياغة الحكاية الشعبية "ستي رفيعة".

وقد ترشّح للجائزة 33 كتاباً منشوراً و11 مخطوطة لفئة ما قبل المراهقة. وتألفت لجنة التحكيم من الكاتبتين جورجيا مخلوف ونجلاء جريصاتي خوري، وأستاذة اللغة العربية وآلادبها سوزان أبو غيدا.

وأكد مدير جمعية السبيل علي صباغ أن اللجنة أخذت بعين الاعتبار في اخيارها للفائزين معايير أٍاسية وهي أن يكون النصّ ممتعاً وسهلاً للقراءة والفهم أولاً، وأن يكون الموضوع/الحبكة مثيراً للاهتمام، من حيث الأفكار وبنية النص وأن يعزّز القيم الإيجابية. إضافة الى أن تكون اللغة الفصحى المستخدمة صحيحة قريبة من لغة القرّاء وتناسب فئتهم العمرية".