يصادف اليوم 2 تشرين الثاني/ نوفمبر الذكرى الثانية لوفاة أيقونة الطرب والغناء الأصيل صباح فخري الذي إستحق لقب "قلعة حلب الثانية" أطلقته عليه الشاعرة السورية شذا نصار. منذ كان طفلاً رضيعاً كان أقربائه يتعمدون التسبب ببكائه لسماع نغمته الخاصة. واجه معارضة عائلته بعد اختياره المضي في مجال الغناء، وخلافا للتحديات الاجتماعية وإلى جانب دراسته العامة إستطاع التخرج من المعهد الموسيقي الشرقي عام 1949. لحّن وغنّى للعديد من الشعراء المعاصرين منهن عبد الباسط الصوفي، وعبد الرحيم محمود، وفؤاد اليازجي، وأنطوان شعراوي وغيرهم.
نشأته
إسم صباح فخري الحقيقي هو صباح الدين أبو قوس. ولد في 2 أيار/مايو 1933 في مدينة حلب إحدى أهمّ مراكز الموسيقى الشرقية العربية. إلتحق بالمدرسة القرآنية في حلب، حيث تعلم مبادئ اللغة العربية وعلوم البيان والتجويد والدين الإسلامي حتى عام 1947. درس الغناء والموسيقى بالتزامن مع دراسته العامة في معهد حلب للموسيقى وبعدها في معهد دمشق. درس الموشّحات والإيقاعات والصولفيج والعزف على العود ومن أساتذته الشيخ علي الدرويش والشيخ عمر البطش ومجدي العقيلي ونديم وإبراهيم الدرويش ومحمد رجب وعزيز غنّام. عمل موظفاً في أوقاف حلب ومؤذناً في جامع الروضة. والده كان قارئاً للقرآن الكريم ومنشداً صوفياً، ووالدته من أسرة دينية تتبع تقاليد الإنشاد الديني.
من الصبا الى الشباب
في عمر المراهقة تبدل صوت صباح فخري وعانى من حشرجة فاجأته والسبب هرمونات الرجولة التي بدلت من طبيعة صوته وتكوين حنجرته فبدأ يشعر بفقدان أغلى ما وهبه إياه الخالق. في سن الخامسة عشرة إعتزل صباح فخري الغناء مكرها وراح يبحث عن لقمة عيشه في الترحال بين قرى ريف حلب إلى أن التحق بخدمة العلم عندما أصبح شابا يافعا. ومع اكتمال رجولته تبلورت حنجرته وإستعاد صوته وعاد إلى أضواء الشهرة من بوابة إذاعة حلب وسهرات إذاعة دمشق وما كان يعرف بخيمة حماد حيث غنى مع المطربة اللبنانية صباح وقدم الموال بالقدود الحلبية "مالك يا حلوة مالك" و "يا مال الشام ويالله يا مالي".
السفر الى مصر
تعهد الفنان سامي الشوا صباح فخري وبدل إسمه من صباح الدين إلى محمد صباح واصطحبه في جولات غنائية في المحافظات. رفض محمد صباح العرض الذي قُدم له للسفر الى مصر لصقل موهبته وآثر البقاء في دمشق والغناء عبر إذاعتها الرسمية. وكان السياسي المخضرم النائب فخري البارودي قد أسس معهدا للموسيقى في دمشق وأعجب بخامة صوت محمد صباح الفريدة وتوقع له مستقبلا ساطعا وخلال إحدى الحفلات الإذاعية المباشرة على الهواء التي كان يقدمها المذيع صباح القباني شقيق الشاعر نزار قباني أراد النائب فخري البارودي أن يتبنى المطرب محمد صباح ويعطيه لقباً فقدمه باسم صباح فخري.
"قلعة حلب الثانية"
أطلقت الكاتبة السورية شذا نصار على صباح فخري لقب "قلعة حلب الثانية" خلال حفل توقيع كتابها "صباح فخري سيرة وتراث" في بيروت قبل سنتين من وفاته حين كانت حلب تعيش الدمار وتراثها التاريخي والمادي يندثر ويتحطم. وتم توقيع الكتاب بحضور المؤرخ الموسيقي اللبناني إلياس سحاب والفنان اللبناني غدي الرحباني الذي اعتبر أن ظاهرة صباح فخري لن تتكرر نظرا لتجذره في الفن الأصيل.
تمكن صباح فخري من تحقيق رقماً قياسياً عالمياً عام 1968 من خلال غنائه على المسرح لمدة تجاوزت 10 ساعات متواصلة في مدينة كراكاس الفنزويلية.
الموال الأول
أول موال لـ صباح فخري كان "غرد يا بلبل وسلّ الناس بتغريدك" عام 1946، وقد لقنته إياه إحدى صديقات والدته، وتتالت جلساته مع صديقات والدته وجاراتها وبدأ يتعلم منهن ما كان يُغنى في تلك الجلسات.
اصطحبه أخوه الأكبر عبد الهادي إلى مجالس الطرب، وهناك تعرف على عازف العود والملحن السوري محمد رجب، فتعلم منه موشح "يا هلال غاب عني واحتجب". عندما إستمع الموسيقار محمد عبد الوهاب الى غنائه قال له: "مثلك بلغ القمة، ولا يوجد ما أعطيك إياه". وبقي الاثنان صديقان حتى رحيل عبد الوهاب.
القصر الرئاسي
من الحفلات الهامة التي أحياها المطرب صباح فخري كانت عام 1948 في القصر الرئاسي في دمشق، بحضور الرئيس شكري القوتلي ورئيس الوزراء جميل مردم بيك، وخلافًا للعديد من الفنانين العرب، لم يتابع دراسته في القاهرة مصراً على أن شهرته مرتبطة بالإرث الفني في موطنه سوريا.
أغانيه وأعماله
لحّن صباح فخري وغنّى قصائد عربية للمتنبي والحمداني ومسكين الدارمي، كما غنّى لابن الفارض، والرواس، وابن زيدون، وابن زهر الأندلسي، ولسان الدين الخطيب. لحّن لشعراء معاصرين مثل فؤاد اليازجي وأنطوان شعراوي وجلال الدهان، وعبد العزيز محي الدين الخوجة، وعبد الباسط الصوفي.
غنّى صباح فخري في العديد من المهرجانات، منها "تدمر، المحبة" في سوريا، "جرش، شبيب، الفحيص" في الأردن، "بيت الدين، عنجر، عاليه" في لبنان"، "مهرجان الربيع في الموصل" في العراق، "سوسة، قرطاج، الحمامات، القيروان، صفاقس" في تونس"، "فاس" في المغرب، "مهرجان الموسيقى العربية" في مصر، "مهرجان الموسيقى الشرقية" في فرنسا، "مهرجان الثقافة" في قطر، "مهرجان الفرين الثقافي" في الكويت.
كما غنّى في العديد من الدول، وفي عدة قارات منها أوروبا وآسيا والأميركيتين وأستراليا. من أشهر أغانيه "مالك يا حلوة مالك، "قدك المياس"، "يا شادي الألحان"، "ابعتلي جواب"، و"يامال الشام". شارك بالغناء في بعض المسلسلات التلفزيونية والأفلام السينمائية.
من أعماله السينمائية فيلم "الوادي الكبير" مع الفنانة وردة الجزائرية، كما شارك في فيلم "الصعاليك" عام 1965 مع عددٍ من الممثلين مثل دريد لحام ومريم فخر الدين. من برامجه التلفزيونية "أسماء الله الحسنى" مع عبد الرحمن آل رشي ومنى واصف وزيناتي قدسية، ومسلسل "نغم الأمس" مع رفيق سبيعي وصباح الجزائري. يذكر أن صباح فخري سجّل ووثق ما يقارب 160 لحناً ما بين أغنية وقصيدة وموشح وموال.
معهد الموسيقى
أسس صباح فخري معهداً فنياً في مدينة حلب أطلق عليه إسم "معهد صباح فخري للموسيقى والغناء" وكان الأول من نوعه لتلقين اللغة العربية والتجويد بطريقة جديدة تعتمد على تربية المطرب وصوته مدة ثلاث سنوات، بصرف النظر عن العمر أو الشهادة.
الجوائز وشهادات التقدير
- قلّد الرئيس السوري بشار الأسد المطرب صباح فخري وسام الاستحقاق من الدرجة الممتازة، في 12 شباط/فبراير عام 2007 في دمشق.
- نال شهادة تقدير من محافظ مدينة لاس فيغاس مع مفتاح المدينة.
- تقلد مفتاح مدينتي ديترويت في ولاية ميشيغان ومفتاح مدينة ميامي في ولاية فلوريدا مع شهادة تقدير.
-أقامت له جامعة U.C.L.A حفل تكريم في قاعة رويس وقدمت له شهادات التقدير.
-أقام له الرئيس التونسي الأسبق الحبيب بورقيبة حفل تكريم وقلده وسام تونس الثقافي عام 1975.
-قدم له سلطان دولة عُمان السلطان قابوس وسام التكريم في عام 2000.
-نال الميدالية الذهبية في مهرجان الأغنية العربية بدمشق عام 1978.
-نال جائزة الغناء العربي من دولة الإمارات العربية المتحدة.
-كرمته وزارة السياحة المصرية بجائزة مهرجان القاهرة الدولي للأغنية.
-كرمه مهرجان ومؤتمر الموسيقى العربية في مصر، وقدّمت له كتب الشكر لمشاركته ومساهمته لعدة سنوات في المهرجانات، التي أقيمت على مسرح دار الأوبرا الكبير ومسرح الجمهورية في القاهرة، ومسرح قصر المؤتمرات في الإسكندرية.
-من خلال مشاركته في مهرجان فاس للموسيقى العالمية العريقة في دورته العاشرة لعام 2004، قدّم له رئيس جمعية فاس سايس شهادة تقدير وشكر والعضوية الفخرية لمجلس إدارة المهرجان، كما قدم له محافظ مدينة فاس مفتاح المدينة مع شهادة تقدير وشكر والعضوية الفخرية لمجلس المدينة وكانت المرة الأولى التي يمنح فيها مفتاح المدينة لفنان عربي أو أجنبي.
-قدمت له المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم في عام 2004 جائزة تقدير، مع درع المنظمة ووثيقة الأسباب الموجبة لمنح الجائزة، لحفاظه على الموسيقى العربية ونشرها.
مناصب شغلها
-نقيب الفنانين في سوريا لأكثر من مرة.
-نائب رئيس اتحاد الفنانين العرب.
-عضو في مجلس الشعب السوري في دورته التشريعية السابعة لعام 1998.
-عضو في اللجنة العليا لمهرجان المحبة في اللاذقية.
-عضو في اللجنة العليا لمهرجان الأغنية السورية ومديراً عاماً للمهرجان الأول والثامن.
حياته الخاصة
تزوّج صباح فخري مرتين، المرة الأولى لم يكشف عن إسم زوجته رزق منها بثلاثة أولاد هم محمد وعمر وطريف. أما زوجته الثانية فقد رزق منها بولد واحد هو الفنان أنس فخري .
وفاته
توفي صباح فخري عن عمر يناهز 88 عاماً، بعد تعرضه لأزمة قلبية، في الثاني من تشرين الثاني/نوفمبر 2021. ونعت نقابة الفنانين في سوريا الراحل الذي يعد أحد اعلام الموسيقى الشرقية اشتهر في أنحاء الوطن العربي والعالم وفي السجلات العالمية للمطربين كواحد من أهم مطربي الشرق.