جميلة الصوت والصورة والأخلاق، حققت نجومية كبيرة بأعمالها الغنائية والمسرحية والتلفزيونية، وحتى في السينما. هي التي اختارها المؤلف والملحن الراحل عاصي الرحباني لتنضم إلى فرقة الأخوين رحباني، إلى أن أصبحت نجمة من نجمات أعمالهما، خصوصاً المسرحية منها، بعد أن رافقتهما في حفلاتهما الفنية في أهم المهرجانات المحلية والدولية.
تخصصت في الغناء الكلاسيكي الغربي والأوبرا، وغنت في أعرق المسارح العالمية، مبدعة بأدائها، وراقية في تعاملها مع الجميع.
من أعمالها مع الأخوين رحباني في التلفزيون نذكر "ساعة وغنية" و"من يوم ليوم"، وفي المسرح "المؤامرة مستمرة"، "الربيع السابع" و"الشخص".
وهي التي عملت أيضاً على خشبة مسرح المؤلفين والملحنين مروان وغدي الرحباني، في "هالو بيروت"، "الإنقلاب" و"الممر إلى آسيا"، بالإضافة إلى فيلم "آخر الصيف"، أما في التلفزيون، فلطالما أمضينا ليلة عيد الميلاد بمشاهدتنا "رحلة بابا نويل".
إنها الفنانة رونزا (عايدة طنب)، التي كانت إنطلاقتها الفنية مع الموسيقار الراحل إلياس الرحباني، ولشقيقتها الفنانة أمال طنب دور في هذا الأمر.
تحل رونزا ضيفة عزيزة على موقع "الفن"، في هذا الحوار الذي يعيدنا معها إلى زمن الفن الأصيل، الذي لن يتكرر، وهي التي كانت لها الفرصة بأن تكون بارزة فيه، لتظهر قدراتها الفنية، وتكتب لذاكرة الفن حكاية طفلة أصبحت نجمة.
في البداية نبارك لك تكريمك بجائزة "موريكس دور" عن مجمل مسيرتك الفنية، كيف تنظرين إلى التكريم؟
أعتبره إلتفاتة لطيفة جداً، وتقديراً، مع العلم أني ولا مرة أقول لنفسي إنه يجب أن أتكرّم، وأنا لطالما كنت في لجان برامج ومهرجانات تكريمية محلية وفرنكوفونية، ولجان برامج هواة، وفي لجنة الموريكس، كان لدي دائماً هوس في أن أفكر بمن يجب أن نكرّم. الأخوان زاهي وفادي حلو مؤسسا جائزة موريكس دور أحبهما كثيراً، وأعرفهما منذ زمن طويل، وأشكرهما على هذا التكريم.
لماذا أنتِ بعيدة نوعاً ما عن مواقع التواصل الإجتماعي، ألا يحق للجيل الجديد أن يتعرف عليكِ وعلى أعمالك أكثر؟
ربما إلتزامي بالعمل الأكاديمي الذي يأخذ من وقتي الكثير، أبعدني قليلاً عن السوشيال ميديا، وأنا والتكنولوجيا لست أصحاب كثيراً، تركت الأمر للصدف، فالسوشيال ميديا تتطلب أن يكون هناك شخص يهتم بها، وأنا لا أجيد الإهتمام بها.
منذ أن كنت صغيرة لا أخطط، حتى الأعمال التي كانت تعرض علينا، خصوصاً أعمالي مع عائلتي لنحيي حفلات فرقتنا TriOrient، لم أكن أتدخل في العلاقات العامة، لأني لا أجيد التعامل معها، فما أعرفه هو الأمور الفنية والتقنية الفنية، فكنت أقول لهم إني أهتم بكل ما له علاقة بالتوزيع الموسيقي للأوركسترا، وأختار البرنامج الغنائي، لكن شقيقتي أمال شاطرة في العلاقات العامة، وشقيقتي فاديا ناشطة على السوشيال ميديا.
نشأنا على أغنيات وترانيم كثيرة إجتمعتِ فيها بالغناء مع أمال وفاديا، كيف قررتنَّ إطلاق إسم TriOrient بعد مرور سنوات طويلة على غنائكنّ معاً كثلاثي؟
منذ زمن بعيد ونحن نغني معاً في المنزل بتقنية الصوتين والثلاثة أصوات، إلى أن قالت فاديا إنه يجب أن نغني مع بعضنا البعض أمام الجمهور، وهذه صيغةموجودة في الغناء الغربي، ولكنها جديدة على الجمهور اللبناني والعربي، وأصواتنا تليق ببعضها البعض، فاديا صوتها Alto يبرز في الطبقات الموسيقية المنخفضة، أمال صوتها Mezzo Soprano يبرز في الطبقات الوسطى، وصوتي Soprano يبرز في الطبقات العليا. وهنا أحيي شقيقي سمير الذي يرافقنا في التلحين والتوزيع الموسيقي الأوركسترالي، وصهري الكاتب جان أبي غانم الذي يكتب لنا كلمات أغنياتنا.
حب الغناء والموسيقى ورثه الجيل الثاني من عائلة طنب، هل تتوقعين أن ينالوا فرصاً ليثبتوا مواهبهم أكثر؟
كل أولاد فاديا أصواتهم جميلة، يمان ونيار وكمال ورنيم، ربما ينالون فرصاً أكثر من خلال اللون الغنائي والموسيقي اللذين إختاروهما، وأقول لك بكل صراحة، إن الفرصة التي جاءتني أنا وفاديا لن تتكرر بسهولة مع أي فنان، وهي أن يأتي شخصان بعظمة الأخوين رحباني، ويقدما لك على طبق من فضة، أعمالاً تؤدي فيها دوراً أساسياً. أما بالنسبة إلى جورج، إبن شقيقي سمير، فموهبته كبيرة، وقد إنطلق في الخارج، وثبّت خطواته، وأعماله الموسيقية مطلوبة لأفلام وأعمال عالمية.
لنعود إلى رونزا، هل واجهتِ غيرة بسبب إختيار عاصي الرحباني لتكوني بطلة من أبطال أعمال الأخوين رحباني؟
وصلني كلام في الماضي هو: "لماذا أنا التي إختارني عاصي الرحباني دون سواي؟"،وهذا طبعاً لأنه كان حلم كل شخص يغني بأن يعطيه الأخوان رحباني دوراً أساسياً في مسرحهما.
وأنا بدوري أسأل، لماذا رونزا دون سواها؟
لا أدري. لدى عاصي حدس، لا أدري ما رآه بي تحديداً حينها. كنت صغيرة جداً في السن، وكنت أحب الغناء والمسرح والرقص والحركة. حتى عندما إنطلقت في بداية عملي مع الأخوين رحباني، حين كنت عضواً في فرقتهما، كنت أرى عاصي يجلس وينظر إليّ، ويفكّر، كنت أسأل نفسي: "لماذا ينظر إليّ؟ بماذا يفكّر؟"، لم أدرك حينها أن الأمور قد تترجم لاحقاً في الأعمال التي جمعتنا. وكنت أحياناً أمر بجانبه، ويسألني: "تحبين الرقص؟ تحبين المسرح؟"، وكان يلاحظ عاصي أني كنت أحب أن أحضر التمرينات، حتى تلك التي لم يكن من الضروري وجودي فيها.
كيف تعرفتِ على عاصي الرحباني؟
كانت شقيقتي أمال تأخذني معها إلى ستوديو بعلبك، حين كانت تعمل مع إلياس الرحباني، وكان عمري حينها حوالى 12 أو 13 عاماً، ففي إحدى المرات، كان الياس قد كتب طبقات موسيقية عالية، لأنه كان هناك مغني لبناني فرنسي يريد أن يدرب صوته على أدائها،فكان الياس يبحث عن فنان صوته Soprana ليسجل له ما كتبه، ويمرن الفنان عليه، فقالت له شقيقتي أمال: "أختي عايدة يمكنها غناء هذه الطبقات"، ربما حينها الياس لم يكن منتبهاً لي بسبب صغر سنّي، فقال لها بتعجب: "من؟ شقيقتك؟"، ودخلنا إلى الستوديو، وعزف الياس على البيانو، ودربني على ما يريدني أن أؤديه، وهكذا إنطلقت، وسجلت بعدها من أعماله أغنية "فصول السنة"، واسكتشات لإذاعة لبنان الرسمية. أمال كانت من أعضاء كورال الأخوين الرحباني قبل أن نعمل معهما فاديا وأنا، في أحد الإيام، جاء عاصي إلى ستوديو بعلبك حيث كان يسجل الياس، الذي قال لعاصي إنه يريد أن سمعه صوتاً لبنت صغيرة، فأسمعه صوتي، ولم يصدق عاصي أن عمري صغير جداً، فقال لأمال إنه يريد أن أكون معهم في الكورال في مهرجانات بعلبك، ولم يكن أهلي ليتقبلوا الأمر لو لم تكن أمال مشاركة في العمل، لأنها أكبر مني سناً.
بعد الإنفصال الفني بين الأخوين رحباني والسيدة فيروز، أعاد الأخوان رحباني تقديم مسرحية "الشخص" التي كانت بطلتها فيروز ولاقت نجاحاً كبيراً، وأصبحتِ أنتِ بطلتها في العروض الجديدة للمسرحية، إلى أي مدى تأثرتِ سلباً بالإنتقادات التي وضعتكِ في مقارنة مع فيروز؟
تأثرت سلباً لأنه كانت هناك انتقادات الصحافة والناس، الذين سألوا: "لماذا يعيد الأخوان رحباني عملاً عرف أنه قامت ببطولته فيروز، ولا يقدمان عملاً جداً مع رونزا؟"، ولكن مع الوقت، لم يعد أحد يفكر في هذا الموضوع. لاأظن أن إعادة المسرحية معي كانت مقصودة، بل أعتقد أنه طُلب من الأخوين رحباني عمل مسرحي، ولم يكن لديهما الوقت حينها ليؤلفا عملاً جديداً، فاختارا عملاً جاهزاً لهما، وطلبا مني أن أؤديه.
ماذا تقولين للفنان زياد الرحباني الذي غنيتِ من كلماته وألحانه، خصوصاً في برنامج "ساعة وغنية"؟
بما أن موهبته مميزة جداً، ولا يشبه غيره، أظن أنه يجب أن يكون هناك إنتاج لأعمال أكثر له، لأن العمل الذي يقوم به له أسلوب خاص، وتعرف أنه يحمل توقيعه.
كيف إختلفت رونزا بين العمل مع الأخوين رحباني والعمل مع مروان وغدي الرحباني؟
إختلفتُ بحسب نوعية الأدوار والوقفة على المسرح، مع الأخوين رحباني هناك الوقفة الرصينة على المسرح، مع العلم أن عاصي قال لي إنه يريدني أن أتحرك أكثر على المسرح، أما مع مروان وغدي الرحباني، فكانت حركتي على المسرح أكبر، وأدواري معهما كانت تشمل الغناء والتمثيل والحركة والرقص، كان هناك أكشن أكثر، وأنا كنت أتدرب على الرقص مع فرقة كركلا، على بعض الخطوات الراقصة التي كانت تتطلبها بعض أدواري المسرحية، ولكن هذا كان نادراً جداً.
شاركتِ في "القداس الماروني" الذي كتب موسيقاه منصور الرحباني، ورنمتِ فيه أداءً منفرداً، وإعتدنا عليكِ كمرنمة منذ بدايتكِ الفنية.هل أخذتكِ الشهرة وضغط العمل من الإلتزام الكلي بالتعليم الديني؟
أنا تلميذة راهبات، ووالداي ملتزمان دينياً ويطبقان التعليم الديني، وخالي هو المطران جورج خضر وعمتي راهبة، الإيمان موجود في منزلنا، وكنت أذهب إلى جمعية Legion de Marie ونصلي هناك، ولكن في الفترة التي دخلت فيها الجامعة، وإنطلقت بالأعمال المسرحية، أهملت الإلتزام الديني، ولكن بعد سنوات قليلة، عدت إلى الإلتزام الديني تدريجياً، والذي أصبح عيشي اليومي، وأنا دائماً لدي نقد ذاتي لنفسي في كل شيء.
يعني أنكِ تسامحين من يخطئ في حقكِ، وتعتذرين إن أخطأتِ.
طبعاً أعتذر إن أخطأت، فأحياناً ردة فعلك تسبق تفكيرك، ولا يمكنك أن تضبط نفسك.أسامح طبعاً، ويجب أن تكون هناك فرصة ثانية للشخص الذي يخطئ في حقك، ولكن أحياناًيحدث أن تتخذ قرار التراجع قليلاً، إذ يصبح لديك حذر من الشخص الذي أخطأ في حقك، ولكني مستعدة دائماً للإيجابية التي أؤمن فيها.
كيف ترى رونزا لبنان؟
أرى لبنان دائماً بعناصره الغنية، وبإنسانه، هناك مواهب كثيرة، هناك فكر مهم، وهناك مقومات علمية لدى الناس، بالنسبة لي، أعود دائماً إلى الإنسان، الأمور السياسية والإقصادية والتي هي على العرض لخدمة الناس، لها أمور تنظيمية، وعلى الإنسان أن يعرف كيف ينظمها، ولكن ما تعطيه وتخلقه لتمثل بلدك فهذا المهم، إن كان في العلم أو الفكر أو الإبداع، هذا هو لبنان بالنسبة لي.