لأن هواة الاصطياد في المياه العكرة كثيرون، واللاهثين خلف إنتهاك حرمة الموت هم أكثر، قررت الإضاءة على الاسباب التي أدت الى وفاة صديقة مقربة جداً، هي سفيرة النوايا الحسنة في منظمة إمسام العالمية السعودية وفاء بن خليفة، التي تابعت حالتها منذ أول دخولها في غيبوبة، خلال وجودها في بلجيكا، وتحديداً في بروكسل، بعد أن تعرضت لذبحة صدرية حادة، قطعت الأوكسجين عن دماغها لأكثر من ساعة، إثر نقلها في البداية الى مستشفى، فشل الأطباء فيه في تشخيص حالتها، ما أدى إلى نقص حاد للأوكسجين في الرأس، وبالتالي إلى تلف في أنسجة المخ، ومن ثم تم إسعافها إلى مستشفى آخر، وغرقت هناك في غيبوية، وكنت وأسرتها ننتظر بصيص أمل، لعلها تعود من نومها العميق، لكن يبدو أن القدر قد قال كلمته، ورحلت، بعد أن سكنت وجدان كل من عرفها عن قرب، ورافقها في مشوار حياتها.
وفاء لم تفقد الحياة من أجل الترف، بل إصطدمت بأزمة صحية لم تكن تتوقعها، علماً أنها كانت قد أجرت فحوصات صحية شاملة في الإمارات العربية المتحدة، قبل جولتها الأوروبية، وجاءت النتائج سليمة، وتأكدت من أنها لا تعاني من أي مضاعفات صحية، إلا أن قدر الإنسان يبقى فوق كل التوقعات، وجاء الموت عبر القلب، الذي حمل هموم الناس وأحزانهم وأفراحهم، وجالت مع هذا القلب معظم الدول العربية والغربية، لتجسد قناعاتها الخيرية والإنسانية بأفضل صورة.
بعيداً عن الأضواء، جمعتني مع وفاء بن خليفة علاقة صداقة، بدأت بتأسيس مجلة "صابرينا"، التي ترأست رئاسة تحريرها، وحصلنا حينها على ترخيصها من لندن، وإنتشرت المجلة في جميع الدول العربية، وبعد الصداقة، تحولت الصلة إلى أخوة، مع تأسيس مؤسسة وفاء الخير، التي كنت فيها نائباً للمدير العام فيها ومسؤولها الإعلامي، وتوسعت آفاق هذه العلاقة، حتى أصبحت فرداً من أسرة الراحلة، وشاركنا جميعاً في جولاتها وتقديماتها ومبادراتها، حتى بدت فكرتها أكثر قوة وتماسكاً وتجدداً، وصولاً إلى تكريمها من قبل زوجة الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، الذي أهداها عقدها الخاص المصنوع من اللؤلؤ.
الرحلة مع الغائبة الحاضرة وفاء بن خليفة لم تكن سهلة، كونها محاطة بالتضحيات من أجل الآخرين، لكنها في نفس الوقت كانت ممتعة، مع إنسانة كان بإمكانها أن تستمتع بالحياة لوحدها، من دون أن تجند طاقتها وثروتها لفعل الخير من دون أي مقابل. لذا كانت وفاء الخير، والمعنى يشبه فكرها وقلبها ووجدانها، وأفعالها التي لم تفرق بين الأديان والأعراق والأشخاص، فالإنسانية من منظورها، لا تعرف لوناً ولا حدوداً.
رحم الله صديقتي وأختي ورفيقة دربي، وأسكنها فسيح جناته، وأتمنى الصبر لأسرتي الثانية، لزوجها وأولادها وأشقائها وشقيقاتها، وكل من أحبها، وبكى معنا رحيلها.