في "عندما يكتب القارئ" ننشر قصائدكم وآراءكم في المواضيع الفنية، لتكون لمحبي كتابة الشعر فرصة ليوصلوا قصائدهم إلى أكبر عدد من القراء، إضافة إلى تلقينا آراء القراء في مختلف المواضيع الفنية ونشرها.
بقلم فراس الور
عندما نتكلم عن نقد لعمل فني، فنحن نأخذ أموراً كثيرة بعين الإعتبار، فعين الناقد المحترف بعمله تختلف فيما تلاحظ وتحلل عن هجوم عشوائي لا يمتاز بالتقييم الصائب للفنان، فهنالك من قد ينتقد الفنان بناءً على حكمه الشخصي الذي قد يكون ايجابيا او سلبيا، وهنالك من قد يحبه او يكرهه، و يُسَيِسْ قراره بناءً على هذا الأمر، وهنالك امراة من الجمهور قد تعميها الغيرة من جمال فنانة، لتقول عن عملها انه سيئ، وحتى قد يكون هنالك فنانة منافسة ناقمة على نجاح هذا الفنان او الفنانة قيد التقييم، فقد ترمي اي احكام بناءة جانبا وتحاول مهاجمة هذا الفنان، هنالك ألف سبب وسبب قد يُهَاجَمْ الفنان الناجح لاجله مع كل اسف، بالرغم من نجاح جماهيري ضخم...فالغيرة والأحكام الشخصية العشوائية قد تكون دوافع ناقصة لهذا الأمر.
أما نحن كنقاد، فلنا معايير تختلف عن الرأي العام، فيجب ان نضع اي احكام شخصية على جنب واي خلافات او اي اهواء ذاتية، وننظر الى دور هذا الفنان جيدا، هل ادى الدور بصورة متقنة؟ هل انغمس بالدور بالصورة المطلوبة ليكون مقنعا للناس، هل سيناريو المسلسل الذي شارك به ناضج ويمتاز بالقوة الدرامية المطلوبة ليشد انتباه الجماهير على الفضائيات، هل امتاز العمل بالتنوع بالشخصيات الدرامية، وهل تفاعل هذه الشخصيات مع بعضها البعض كان متقناً ويحترم عقل وذكاء المشاهد، هل توقيت عرضه مناسب؟ هل اثرى هذا الفنان بهذا الدور ارشيفه به؟ هل وجدت هذه الشحصية رواجا او تفاعلا بين الناس، حتى و ان آخذ هذا الفنان دور الشر بالمسلسل هل تفاعل الجمهور معه؟ هل قدم المسلسل قيد النقاش هويته الأدبية بالصورة المطلوبة و هل تمت احاكت نسيجه الدرامية بصورة مبدعة، هل اخرج المخرج العمل بالصورة المطلوبة فلكل مخرج ادواته واسلوبه ليروي لنا السيناريو والحوار بكاميرته بصورة تشد المشاهد للعمل و بصورة جميلة و محترفة، هل كانت المشاهد و تصويرها منسجمان مع الروح الدرامية للعمل؟ هل كان لباس الفنانين بالعمل مناسب فاللباس هو جزء من كينونة الشخصية او الشخصيات في العمل سواء في الأعمال التاريخية او المعاصرة، هل نافس العمل مثيلاته بالسوق او بغير ذلك من ماذا كان يعاني؟ وان امكن الناقد ان يضيف و يستفيض حول كيف يبدو العمل مقارنة مع مثيلاته بالتاريخ الدرامي بالماضي،
هذه بعض من النقاط التي يجب ان تكون حاضرة في ذهن الناقد اثناء تقيم الفنان بالعمل الدرامي و اثناء تقيم اي عمل، اما بغير ذلك فالناقد لن يكون محترفا بعمله و لن يستطيع تقيم العمل بصورة ترضي الضمير، فالعمل الدرامي يرتكز على تفاعل الجمهور لينجح او يواجه الفشل لا سمح الله اولا ثم على رأي النقاد، و لكن ان واجه الفشل فيجب ان نحلل ما هو هذا الفشل و ما هي حيثياته و ان كان منطقيا ام انه يدفع ثمن هجوم عشوائي من الجمهور او نقاد قد يكونوا مسيسين ضده...كي لا نظلم اي مسلسل او فيلم او مسرحية...فنحن كنقاد عموما ان لم نقيم بصورة نزيهة و موضوعية فعبث ان تكون هذه المهنة محترمة ونظيفة...
افتتحت مقالتي بهذه الحيثيات عن عملنا لكي يفهم و يدرك القارئ بأنني كناقد بنيت حكمي عن مسلسل عشرين عشرين على اسس نقدية و اكاديمية تبين الى اي مدى هذا العمل من الأعمال المتكاملة، و كتبت على صفحتي على تويتر حكمي هذا بعد ان شاهدت تقريبا جميع حلقاته حيث انني وجدت انه عمل متقن الأبعاد بكل معنى الكلمة...ليهمن بجودته على معظم ما عرض بالدراما اللبنانية و عموم الدرامية العربية، فقد يكون هنالك اكثر من عمل متكامل بهذا الموسم الرمضاني و لكن مما لا شك به انه حجز له مكانة مميزة جدا بما قدمه من روعة روائية و تشويقية للجمهور، فالفنانة نادين نسيب نجيم تخطت ما قدمته بالماضي من نجاحات ساحقة باعمالها لتقدم لنا تحفة تعادل بجودة انتاجها روائع عالمية...سما الضابط التي تم اغتيال شقيقها على ايدي عصابة خسيسة بحي شعبي، فيتم تجنيدها من قبل قيادة شعبة المعلومات للإيقاع بعناصرها، و تقبل هذا الامر بالرغم من ألمها على فقدان شقيقها، و مما لا شك به اننا وجدنا ايضا ان نادين تتقن تقديم الأدوار المركبة او المزدوجة بالعمل الواحد فرأيناها تقدم شخصية سما الضابط في بعض المشاهد ثم تتركها لتنخرط بشخصية حياة العميلة بين صفوف المافية في مشاهد آخرى...لم نرى بكل حلقات العمل الا سما و حياة لتتحفنا نادين بهذه القدرة الدرامية الكبيرة، و هذا ان دل فيدل على موهبة لا يستهان بها ولم تدركها نادين باي عمل سابق، فالأدوار المركبة بالعمل الواحد تحتاج الى خبرة كبار ولولا ان نادين كبيرة الخبرة لما وجدنا هذا العمل ناجح لان سما هي شخصية اساسية بالعمل بالتشارك مع حياة...وهذا ربما ما لم يدركه مخرج العمل وكاتب السيناريو بعد...بأنهم صنعا شخصيتين تقاسمتا دورين رئيسين بالعمل وعملا على اعلاء دور بطلة العمل نادين بصورة جوهرية...وليفهم القارئ حساسية ما اكتب...لولا حياة لما نجحت شخصية سما ورأينا عنفوان الضابط بها...ولولا سما لما راينا ابعاد جميلة بشخصية حياة تلمعها دراميا...و هذا التباين بالشخصية رائع جدا جدا جدا، والتنوع بالشخصيات بأي عمل يسمى تبايناً او بالإنجيليزية character contrast، وبذلك تلاشت نادين من الوجود بين هاتين الشخصيتين، ليكون العمل قد سلك مساره الدرامي بصورة صحيحة...
احببت ان أبين الاداء الدرامي لنادين ليتفهم الرأي العام ان قدرتها على تقديم هذه الشخصيات بصورة مقنعة لا يتوقف عند احكام سطحية كعمليات التجميل التي قد تكون اجرتها او قد لا تكون أجرتها، واذا كانت تؤثر على ادائها للادوار الدرامية، او أمور سطحية كي الطريقة التي تمسك بها هاتف خلوي...رأينا من نادين سما حينما كان يجب وراينا من نادين حياة حينما كان يجب، رأينا اداء و موهبة اقتنعنا بهما و هذا ما يهمنا كنقاد، ان يكون الممثل او الفنان مبدعاً بما يقدم، فلذلك نرجو من من يتكلم سلبا ان يدرك ان الأحكام السطحية لا تهمنا كنقاد ولا تحكم على نجاح الأعمال اطلاقا، ولعلها مخجلة ان تصدر على الإطلاق لأننا نتعامل مع دراما واسس وعلوم اكاديمية، وهذا ما يهم بالنسبة للأعمال الدرامية.
هنالك مقولة لي رايت انها تنطبق على هذا العمل الذي احتوى على صراع شرس بين الخير والشر، الحياة هي دراما والدراما هي الحياة، هما توأم والفرق الوحيد بينهما ان الحياة حقيقة اما الدراما فهي مرآة للحياة، فحينما تأملت العمل رأيت مشاهد وأحداثاً مستلهمة ببراعة وأبداع من حياتنا المعاصرة، فالضحكة و الإبتسامة التي يغطي بها ابطال العمل آلامهم و احزانهم منسوجة بحرفية من خلال اعتراكهم بالحياة اليومية، و حب ينولد بين خصوم لا يجمع بينهم سوى اقنعة تتوراى ورأها وجوههم و شخصياتهم الحقيقية، فيها الخارج عن القانون و المجرم الذي يلوث حياة البريئ بالمخدرات التي يدخلها الى داخل لبنان و فيها عناصر بوليسية تستبسل بالمحاولة بالأيقاع بهذه المافيات، فيها المظلوم الذي عانا من فقدان افراد اسرته من تجارة السم و فيها حي شعبي فقير مخدوع بالكامل من عصابة تلبس امامه ثوب الحملان لتخفي انيابها المتوحشة و الحقيقة...فيها آبالسة تتلون بمئة لون لترعى تجارتها الممنوعة وفيها الخير الذي يقاومها الى النهاية...فيها واقع مغموس بخيال جعلها تشدنا من اول حلقاتها الى النهاية، ان لم تكن الأعمال الدرامية بنفس جودة هذا العمل فعبث نقول ان لدينا حركة درامية تحترم مشاهدين الشاسة، شكرا لكادر هذا العمل على ما قدموه.
إلى القراء الذين يرغبون بأن ينشروا قصائدهم، أو أن يعطوا آراءهم في المواضيع الفنية، يرجى إرسال قصائدكم أو آرائكم وصورة لكم عبر البريد الإلكتروني [email protected].