إجتاحت المسلسلات التركية العالم العربي منذ عدة سنوات، بداية من المسلسل الشهير "نور" الذي أسر حينها المشاهدين وأجبرهم وقت عرضه على البقاء في منازلهم لمشاهدته، ولاحظنا أيضاً الترويج للسياحة في تركيا من خلال المشاهد التمثيلية التي تضمنت مناظر خلابة هناك.
نجحت الدراما التركية بإثبات نفسها بقوّة وترسيخ جذورها فيلبنان والعالم العربي، بعدما اقتلعت جذور المسلسلات المكسيكية التي كانت في الماضي تحتلّ الصدارة، ولاحظنا أيضاً إنتشار الدراما الهندية منذ سنوات وإنشاء قناة خاصة لها لعرضها والترويج لها، وقد حققت انتشاراً لا بأس به، إلا أن الدراما التركية بقيت في المقدّمة، ومع مرور الوقت خفت شعاع المسلسلات الهندية التي لم تُفلح بجذب عدد كبير من الجمهور.
مع بداية الحرب في سوريا عام 2011، وُلد مفهوم "الدراما العربية المشتركة"، والتي تشمل الممثلين اللبنانيين، السوريين والمصريين، كان المشاهد حينها أمام خلطة تمثيلية يشاهدها لأول مرّة، فاستطاعت أن تنجح، ومع مرور السنوات رسّخت حضورها أكثر وتطوّرت فبات المسلسل العربي ضيفاً مهمّاً ورئيسياً في الموسم الرمضاني وخارجه.
تقدّم الدراما العربية المشتركة
وصلت الدراما العربية المشتركة إلى موقع يُفتخر به ولا تراجع منه، ويعود الفضل طبعاً إلى شركات الإنتاج التي آمنت بالممثلين وعملت بشغف، إضافة إلى الممثلين أيضاً الذين تحدوا أنفسهم وقدّموا أدوارهم بشغف وإبداع، وأثبتوا أنه لا فرق بالموهبة والحرفية بينهم وبين الممثلين الأتراك.
تشجيع الدارما العربية المشتركة يقع على عاتق كل مشاهد لبناني وعربي ومتابع لها، إيماننا بها هو وسيلة لتقدّمها أكثر بوجه المسلسلات التركية التي بدأت بالإنحصار.
خطوة قناة "ام بي سي" بإنتاج مسلسل عربي مشترك واسبتداله بالتركي يدلّ على أن هذا النوع من الدراما متين، وفعلاً هذا ما شهده مسلسل "عروس بيروت" المقتبس عن مسلسل "عروس اسطنبول"، إذ لاقى نجاحاً كبيراً ونسب مشاهدة عالية.
المسلسل العربي المشترك والمسلسل التركي على حلبة المنافسة
نقول وبكلّ فخر إن الدراما العربية المشتركة تُنافس وبكلّ قوّة خصمها الدراما التركية، فالأخيرة ما زالت تُعرض لكنها بدأت بالتراجع، لأن المشاهد يبحث عن الجديد دائماً ووجد في الدراما العربية المشتركة بديلاً لها، فالنقاد الأتراك أيضاً يعترفون بذلك، وأحدهم يدعى عمر أورلان كان قد قال مؤخراً إن المسلسلات التركية في هذه الفترة تراجعت مقابل تفوّق الدراما العربية المشتركة، وأعرب عن خوفه في حال تُرجمت المسلسلات العربية المشتركة، فستكتسح حينها التركية وتتربّع على عرش الدراما.
إلا أن الناقد التركي إستبعد أن تُدعم الدراما العربية المشتركة عالمياً، قائلاً إنه هناك أيضاً المسلسلات الإسبانية والبرازيلية والإيطالية مدعومة بشكل كبير في أوروبا، وعلّل سبب تراجع الدراما التركية في هذا الموسم بأن مواضيعها أصبحت تافهة ولا تمثّل المجتمع التركي، فالنصوص أصبحت فقيرة وسطحية.
وكان لنا حوار مع الإعلامي الدكتور جمال فياض، الذي تحدث لموقع "الفن" عن الدراما اللبنانية والسورية واتحادهما بعد ذلك، إضافة الى ظهور الدراما التركية، وما الذي تحتاجه بعد الدراما العربية المشتركة.
وقال لنا فياض: "عندما أصبح هناك أعمال مشتركة بين لبنان وسوريا بشكل جدي وعملي منذ 5 سنوات تقريباً، حققت إنجازاً مهماً جداً، فخبرة السوريين بالتمثيل والإخراج وسوقهم العربي المفتوح، فتح باباً كبيراً للدراما اللبنانية لتستعيد حيويتها ونشاطها عربياً، لأنه اذا تذكرنا في السبعينيات كانت الدراما اللبنانية والمصرية مسيطرتين، وكنا نرى المسلسل اللبناني يعرض في المغرب وتونس والجزائر باللغة العربية الفصحى، لأنه لم تكن اللهجات مفهومة كثيراً، وكانت تعرض حينها على الشاشات الأرضية، على عكس هذا الزمن الذي تعرض فيه الأعمال من خلال الفضائيات الخاصة، وكانت الدراما تتناول دائماً قصصاً جميلة ومهمة ويجب أن نركز على تعريب القصص الأجنبية العالمية المعروفة، التي كان يترجمها الراحل وجيه رضوان والكاتب أحمد العشي والمخرج والكاتب مروان نجار، الذين كانوا أنشط الأشخاص في فترة السبعينيات والثمانينيات، ومن ثم مرت الدراما اللبنانية بهدوء وقلّة النجوم، وفي هذا الوقت كانت قد بدأت الدراما السورية بدعم من الحكومة السورية ونقابة الفنانين، إذ نظموا أمورهم وأصبحت هناك أجيال من الممثلين، طبعاً إنطلقوا وبدأوا بتحقيق النجاحات واللهجة السورية أصبحت قريبة للقلب من خلال الأعمال التمثيلية السورية، التي بعد ذلك تطورت وكانت سبباً لإلغاء اللغة الفصحى التي بدأها اللبنانيون في المسلسلات المكسيكية، وبات الرواج أكثر للمسلسلات الأجنبية باللهجة السورية وأكثرها كانت الدراما التركية.
دخول الدراما التركية على السوق العربي كان مهماً جداً وأحدث إعادة توجيه وأظهر كيفية أن تكون الدراما لتلاقي قبولاً شعبياً، فكان الممثلون جميلين وعفويين، إضافة إلى حركة الكاميرا عندهم فقد فرضت طريقة جديدة على الدراما العربية التي أخذ القيّمون عليها أفكاراً منها ولو بسيطة لكن كانت مهمة".
وتابع فياض: "التعاون اللبناني السوري اليوم ممتاز ويثمر إنجازاً، لأن الإنتاج في سوريا أصبح أقل بسبب الأوضاع، فكان هناك عدة منتجين لبنانيين يموّلون الاعمال ويستفيدون من خبرات السوريين مع تمويل لبناني، أنتج عملاً مثمراً ومميزاً.
أما إذا هل يمكن أن تعود الدراما السورية وتنفرد لوحدها وتنجح واللبنانية كذلك، إحتمال لكن من المؤكد أن التعاون السوري اللبناني نجاحه مضمون بسبب توافر الممثلين الجميلين والقصة.
وعن الأمر الذي تحتاجه الدراما العربية المشتركة كي تصبح أهم، هو تواجد الوجوه الجديدة، ويجب ان نأخذ بعين الاعتبار مسألة مهمة جداً وهي أننا أحببنا المسلسل التركي قبل معرفة الممثلين وهذا عرف جديد حدث، أي أنه من غير المفروض ان يكون الممثلون من المشاهير كي ينجح المسلسل، إضافة إلى أن السخاء على الإنتاج يُنجح العمل مع الوجوه الجديدة، شرط أن يكونوا ذوي قدرات تمثيلية مهمة، وبالفعل بدأت المسلسلات العربية المشتركة تنتشر عالمياً مثل "خمسة ونص" و"الهيبة" و"بنت الشهبندر"، التي دبلجت وعُرضت في رومانيا وبولونيا حتى في الصين أيضاً.
في إحدى الفترات أرسل لي أشخاص من دول أوروبية إعلانات لمسلسلات عربية مدبلجة باللغة المحلية، وطبعاً سننتشر أكثر من خلال المنصات الإلكترونية، اليوم بات من غير الممكن أن يكون هناك ممثل يمثل كيفما كان، أو قصة أو إخراج أو إنتاج كيفما كان، يجب السخاء على المشهد وأن يكون الإنتاج والمال أضخم كي تستطيع الدراما العربية المشتركة المنافسة مقابل الكم الهائل من الأعمال التي تعرض في العالم، نعم أرى أن القادم أفضل، وبحسب معلوماتي لنأخذ مثلاً مسلسل "ممالك النار" الذي حددت له ميزانية ضخمة، فهو مبهر بالصورة والملابس وبكل شيء، لكن لديه مشكلة وهي أن القصة ضعيفة غير محبوكة الأحداث، ربما هذه الثغرة الوحيدة التي يعاني منها المسلسل ، إلا أنه عمل ضخم جداً".