"عايز ابقى مزيكاتي" جملة كررها بليغ حمدي، وهو في عمر السابعة قبل أن تتحول لواقع، فيصبح بالفعل من أهم الموسيقيين ليس في مصر فحسب بل في العالم العربي، حتى وصفه الشاعر كامل الشناوي بأمل مصر في الموسيقى، وهو اللقب الذي صاحبه بعد ذلك، وعلى الرغم من أن بعض الموسيقيين لا يحظون بشهرة واسعة، إلا أن بليغ إستطاع أن يكون قدوة في عالم التلحين، وكوّن ثنائياً مع عدد كبير من نجوم الفن والغناء في العالم العربي، أشهرهم وردة الجزائرية، لقصة الحب الكبيرة التي جمعت بينهما.
البداية والميلاد
في السابع من تشرين الأول/أكتوبر عام 1931، ولد بليغ بن عبد الحميد حمدي مرسي في حي شبرا في مصر، وكان والده يعمل أستاذاً للفيزياء في جامعة القاهرة "فؤاد الأول" سابقاً ، وكان بليغ حمدي في عمر السابعة مهتماً بالموسيقى فأتقن العزف على العود وهو في الـ 9 سنوات، وعندما بلغ الـ 12 عاماً قرر أن يدرس أصول الموسيقى، فحاول أن يلتحق بمعهد فؤاد الأول للموسيقى، لكنه لم يتمكن لسنه الصغير فإلتحق وقتها بمدرسة شبرا الثانوية، ولكنه بدأ يدرس أصول الموسيقى في مدرسة عبد الحفيظ إمام للموسيقى الشرقية، وتعلّم الموشحات العربية من خلال درويش الحريري، وبعد الثانوية التحق بكلية الحقوق، وحقّق حلمه بالإلتحاق بمعهد فؤاد الأول للموسيقى، والذي سميّ لاحقاً بمعهد الموسيقى العربية.
البداية الفنية
تعرف بليغ حمدي على مستشار الإذاعة المصرية محمد حسن الشجاعي، والذي أقنعه كي يحترف الغناء وبالفعل سجّل بليغ أربع أغنيات وقتها، ووضع لحن أغنيتين للفنانة فايدة كامل، هما "ليه لأ" و"ليه فاتني ليه"، ليقدّم بعدها "ما تحبنيش بالشكل دا" للفنانة فايزة أحمد، وفي هذا الوقت توطدت علاقته بالموسيقار الكبير في تلك الأثناء محمد فوزي، والذي أعطاه فرصة كبيرة من خلال شركته "مصر فون"، وقدّم أول ألحانه لعبد الحليم حافظ ولحّن أغنية "تخونوه".
كما كان محمد فوزي هو سبب لقائه وتلحينه لأم كلثوم، والتي كانت ترغب وقتها في التجديد والتعاون مع ملحن جديد غير رياض السنباطي، فطلبت من محمد فوزي أن يلحّن لها إلا أنه إعتذر بطريقة مهذبة، ثم قال لها "عندي ليكي حتة ملحن يجنن مصر حتغني ألحانه أكثر من 60 سنة ادام" .
محمد فوزي سبب تعاونه مع أم كلثوم ولحّن 30 أغنية لعبد الحليم
كان أول لقاء بين أم كلثوم وبليغ حمدي في منزل طبيبها زكي سويدان، ووقتها لحّن وعزف بليغ وهو يجلس على الأرض، وسط ذهول الموجودين فجلست أم كلثوم بجواره وطلبت منه بعد أن انتهى من أول كوبليه، أن يكمّل اللحن فأوضح لها بأنه لم يكمله فأعطته الوقت كي ينتهي منه، ليتعاونا سوياً لأول مرة في عام 1960، من خلال أغنية "حب إيه"، والتي حققت نجاحاً ساحقاً.
وبعد ذلك قدّم لها 11 أغنية هي "انساك" و"ظلمنا الحب" و"كل ليلة وكل يوم" و"سيرة الحب" و"بعيد عنك" و"فات المعاد" و"أنا فدائيون" و"ألف ليلة وليلة" و"الحب كله" و"حكم علينا الهوى"، وهي آخر أغنية قدمتها أم كلثوم في عام 1973.
ومنذ الخمسينيات وحتى منتصف السبعينيات، قدّم بليغ حمدي 30 أغنية مع عبد الحليم حافظ، وربطت بينهما علاقة قوية، وبدأ التعاون من خلال "تخونوه" عام 1957، وبعدها "خسارة" و"خايف مرة أحب" و"أعز الناس" و"سواح" و"على حسب وداد قلبي" و"التوبة" و"جانا الهوى" و"عدى النهار" و"المسيح" و"البندقية" و"فدائي" و"الهوى هوايا" و"موعود" و"زي الهوا" و"مداح القمر" و"حاول تفتكرني" و"ماشي الطريق" و"بحلم بيوم" و"عاش اللي قال" و"الماء والخضرة" و"قومي يا مصر" و"مصر يا بلادي" و"الفجر لاح" و"أرضنا الخضرا" و"الجزائر" و"يا ليالي محدش خالي" و"أي دمعة حزن لا" و"حبيبتي من تكون؟".
فكانت علاقته بعبد الحليم وطيدة حتى أنه أقام عزاء عبد الحليم حافظ في منزله، ورفض أن يغني أحد أياً من الألحان التي قدمها لعبد الحليم، وآخرها لحن "الحب أحلى من حلاوته مفيش"، وإن كانت أيضاً علاقتهما مرت ببعض فترات الخلاف، وقال بليغ حمدي عنه "الإرهاب الفني" وتحدث عن زعل عبد الحليم منه، إذ قدم ألحاناً لفنانين أخرين، ولكن سرعان ما إنتهى الخلاف.
كما غنى الكثير من الفنانين والفنانات من ألحانه، ومنهم صباح وشادية ومحمد رشدي وفايزة أحمد ووردة الجزائرية، ومن الخليج تعاون مع محمد عبده وطلال مداح، كما تعاون مع الفنانة الراحلة ذكرى ومحرم فؤاد وفهد بلان ولطيفة وسميرة سعيد.
وبحسب ما يرويه الملحن اللبناني سهيل فارس، فإن الفنانة وداد شيحة أردات أن تأخذ لحناً من بليغ حمدي، وحين كانت تسمعه الأغنيات التي إختارتها من غيره، أعجبته أغنية "آن الأوان" التي لحنها سهيل فارس، فقال لها بليغ: "إسألي سهيل إن كان يقبل بأن تضعي إسمي على هذا اللحن"، وهكذا كان.
ديني ووطني ومسرح غنائي
حالة التدفق الإبداعي لبليغ حمدي جعلته يبدع في كافة ألوان الأغنيات، فقدّم نقلة مدوية حين قدّم ألحانه للشيخ سيد القشبندي، الذي قدّم من ألحانه إبتهالات دينية ومقامات موسيقية في "مولاي اني ببابك".
وفي الغناء الوطني قدّم 15 أغنية مع نجوم الغناء مثل شادية وعبد الحليم ووردة، ومن أغنياته "عدى النهار" و"فدائي" و"البندقية اتكلمت" و"يا حبيبتي يا مصر" و"بسم الله الله اكبر بسم الله" و"بلادي السمرا" و"عاش اللي قال" و"على الربابة" وغيرها من الأغنيات.
ونجح أيضاً في اللون الشعبي، وقدم مع محمد رشدي "طاير يا هوا" و"على الرملة"، ومع أحمد عدوية "ياختي اسملتين"، كما كان من أسباب نجاح مسرحيات مثل "تمر حنة" و"ريا وسكينة"، ليقدم أغنيات ناجحة في المسرح والسينما أيضاً، التي شارك بألحانه في العديد من الأفلام ومنها "العمر لحظة" و"امرأة قتلها الحب" و"آه يا ليل يا زمن" و"عودة الابن الضال" و"عايشين للحب" و"صوت الحب" و"عندما يغني الحب" و"جيتار الحب" و"أضواء المدينة" و"الشيماء" و"نار الشوق" و"فرقة المرح" و"نحن لا نزرع الشوك".
إكتشف علي الحجار وتنبأ لأصالة بأن تنجح كأم كلثوم
قدّم بليغ حمدي العديد من النجوم، فإكتشف على الحجار وقدمه في أغنية "على اد ما حبينا"، وبعدها لحّن له "طب قولنا لما انت ناوي على السفر" و"أحبابنا من عشمهم" وأغنيات "بوابة الحلواني"، كما لحّن لأصالة "حلم عميق" وتنبأ لها أن تكون أم كلثوم العصر، وقدم لمحمد الحلو "اشكي لمين" ولعفاف راضي "يمكن على باله حبيبي" و"هوى يا هوى"، ولهاني شاكر "اه يا سلام لو تعرف" و"عومني في بحر عينيك" و"عيون حبيبي" و"حلوة وخفة"، وتعاون أيضاً مع محمد منير.
ملك الموسيقى وإبن النيل
عُرف بليغ حمدي بالعديد من الألقاب، منها "أمل مصر في الموسيقى" ولُقّب أيضا بسيد درويش عصره، وملك الموسيقى وعرف بين أصحابه بـ"بلبل"، كما كتب إسمه في بعض الألحان بإسم "ابن النيل".