"عود حول العالم" تحت هذا العنوان أحيا الفنان العراقي عمر بشير ليلة موسيقية عابقة بالسحر، كانت مسك ختام فعاليات مهرجانات بعلبك الدولية لهذا العام، فبين هيبة جدران معبد باخوس حيث أقيمت الحفلة، وبين صدى آلة العود، رحلة موسيقية قادنا بها عمر بشير فجاب عدة ثقافات وحضارات ورافقته فرقة موسيقية متعددة الجنسيات من لبنان وسلطنة عمان وتونس وهنغاريا.
هي رحلة كان قبطانها العود وطاقمها المساعد 7 عازفين تنوعت آلاتهم بين الغيتار والطبلة والبيانو وغيرها، فأثبت بشير أن آلة العود عالمية تستطيع الإندماج والتأقلم مع كل الثقافات والتطورات الموسيقية، وجاء ذلك بدمجه للألحان العربية البحتة بالألحان الغربية.
قبل كل مقطوعة، كان البشير يتحدث إلى الحاضرين الذين غصّت بهم قاعة المعبد وكان من بينهم المنسق المقيم للأمم المتحدة ومنسق الشؤون الإنسانية في لبنان فيليب لازاريني، سفير بريطانيا في لبنان كريس رامبلنغ، محافظ بعلبك الهرمل بشير خضر، ورئيسة اللجنة السيدة نايلة دي فريج، مفسراً المقطوعة التي سيعزفها وإلى ماذا ترمز، فكانت البداية مع مقطوعة كرفان "القافلة"، وهي من ألحانه، ضمن ألبومه الجديد، تلاه مقطوعة الحمراء (فلامينكو).
وبعدها كانت لفتة مميزة وإنسانية منه، بتقديمه مقطوعة "طفلتي الحزينة"، والتي أهداها إلى كلّ ولد يعاني من الكبار، وهي من ألحانه من ألبوم "العود المجنون"، وروى قصة هذه المقطوعة، قائلاً إنها تتحدث عن طفلة عراقية توفي والداها بسبب الحرب الطائفية في العراق، وبقيت تعيش في "القمامة" بحسب قوله، مشيراً إلى أن ذنبها الوحيد أنها طفلة لأب سني وأم شيعية.
ثمّ إنتقل بنا بشير إلى الأجواء الإسبانية في حوار بين العود والغيتار بمقطوعة "رحلة"، بمشاركة المغنّي الاسباني ملكيور كامبوس وراقصة الفلامنكو ليا لينارس.
ومن المقطوعات التي قدمها بشير "على طريقة عمر بشير" كما كان دائماً يردد أثناء الحفل هي "فوق النخل"، "زوروني كل سنة مرة" و"البنت الشلبية" للسيدة فيروز، "إلى أمي"،"رقصتي المفضلة"، "لا تمضي في الغابة"، "فارون"، "صغيرون" و"بغداد".
وفي الختام، توجه بشير إلى الحاضرين قائلاً لهم إن هناك مفاجأة، وهي إنضمام الفنانة اللبنانية جاهدة وهبه له على المسرح، ليقدما سويةً موشح "زارني المحبوب" على مقام الحجازكار ورائعة الأديب الألماني غونتر غراس الحائز على جائزة نوبل قبل عقدين من الزمن "لا تلتفت إلى الوراء".
واستحقت الفنانة جاهدة وهبه في نهاية الحفل جائزة الموسيقار الراحل "منير بشير" التي قدمها لها الفنان عمر بشير، تقديراً لأعمالها وإنجازاتها وإبداعاتها ومسيرتها الفنية الراقية.
بدورها، قدمت رئيسة لجنة مهرجانات بعلبك الدولية السيدة دي فريج لبشير ملصق حفل والده الموسيقار منير على مسرح مهرجانات بعلبك في بيروت عام 1972، وكتاب المهرجان الذي يؤرخ مشاركته سنة 1974.
وبعد إنتهاء الحفل، كان لنا لقاء مع كل من الفنان عمر بشير والفنانة جاهدة وهبه.
الفنان عمر بشير.
ما هو إنطباعك بعد هذا الحفل المميز على أدراج بعلبك؟
أولاً سعادة الجمهور كانت لنا الأمر الأهم، وهذا ما لمسناه، فأنا أحب هذا البلد وهو في قلبي، فقد ولدت في لبنان وأول 5 سنوات من حياتي كانت فيه.
ومهرجان بعلبك مهم جداً، وهو مهرجان من أعرق المهرجانات العربية وأقواها، وهو نقطة مهمة في حياة الفنان، وإنتظرت لسنوات لكي أقف هنا.
وحاولت اليوم أن اخلق جزيرة عمر بشير، وآخذ جمهوري إلى عالم عمر بشير في رحلة متنوعة الثقافات والحضارات، إضافة إلى السيدة جاهدة وهبه، التي هي من كبار المطربات اللبنانيات.
هناك جمهور معيّن وفئات معيّنة تهوى هذا النوع من الفن الذي تقدمه.
من المفروض أن تكون موسيقاي تشبع جميع الفئات.
كيف تحاول أن تحقق ذلك؟
هناك بعض الناس الذين يحبون الشرقي الكلاسيك، ونحن لا نستطيع ان نبقى فقط على العود والكلاسيك، وكما قلت انا اليوم، فالعود له إمكانيات كبيرة وما قدمناه اليوم ليس عوداً أو غيتاراً ولا هو شرقاً ولا غرباً، هذا هو عمر بشير، وأنا لكي أكسب الشاب والكبير في السن، يجب أن أخلق موسيقى لكل الآذان.
من يلفتك كموسيقيين لبنانيين؟
لدي اصدقاء كثر في لبنان، وانا شخصياً أحب الفنان شربل روحانا، ليس غناء فأنا لا أعترف بعازف العود بأن يغني، وهو يعجبني لأنه يمزج بين الشرق والغرب.
وأيضاً يعجبني عزف الفنان اللبناني زياد الأحمدية، فهو أيضاً لديه أسلوبه اللبناني المميز.
هل تستمع إلى الألحان العراقية الجديدة، ولا سيما أن الأغنية العراقية واللحن حققا نجاحاً كبيراً في الفترة الماضية؟
لا أستمع إلى الأغاني، فأنا إن أحببت ان أسمع أغنية لا أسمع الكلام بل أركز على اللحن.
اليوم هناك ضجيج، والذي نسمعه اليوم هو فئة معينة من الشعب العراقي الذي إستخدم هذا الإيقاع، ولكن هذا الإيقاع ليس هو الإيقاع العراقي ولا طريقة الغناء العراقية، بل هي طبقة معينة وجيل جديد، وليس تكبراً ولكن ليس هذا هو الفن العراقي.
فنحن إن كنا سنتحدث عن الفن العراقي نبدأ من المقام العراقي، فلدينا الغناء الكردي، الغناء المصلاوي، الغناء البغدادي والريفي والصحراوي، ولكن عندما تصبح جميعها ضجيجاً فهذا أصبح موجهاً لفئة معينة أعتبرها موسيقى غجرية.
ولدي صراع كبير مع هذا الأمر، أن الكل يعتقد أنه هذا هو الفن العراقي، والسبب في ذلك أن الجيل الجديد ليس مثقفاً، ولا يعرف من هو عمر بشير ومن هو منير بشير.
ومن هنا نحن لا نقول للجيل الجديد أنكم فاشلون، لكن لا تخربوا ما تركه العظماء.
كلمة أخيرة لجمهورك اللبناني.
الشعب اللبناني في قلبي، ولبنان هو وطني الثاني، والصحافة اللبنانية ساعدتني كثيراً في بداياتي، ولكن أطلب من اللبناني الصحو، وكفى إتباعاً للسياسيين والطوائف الدينية، فأنتم شعب جميل جداً وطبيعتكم جميلة وبقعة من السماء كما غناها الفنان الراحل وديع الصافي، وأتمنى أن أرى جيلاً لبنانياً جديداً كما كان جيل الفنان شربل روحانا.
الفنانة جاهدة وهبه.
ماذا يعني لك هذا التكريم اليوم وتحديداً على أدراج بعلبك؟
سعادتي مضاعفة اليوم، أولاً لأن هذا التكريم يصدر من أهل الفنان عمر بشير يعني من عائلة العملاق منير بشير ومن مؤسسة "نهوند" طبعاً، وثانياً التكريم هنا على هيكل باخوس في بعلبك وبمباركة من مهرجانات بعلبك الدولية التي كان لي السعادة والشرف أن أغني للمرة الثالثة هذه السنة على مسرحها.
وحقيقة أن هذا يحمّلني مسؤولية كبيرة جداً، أن ابقى أقدم دائماً ما يرقى بمجتمعاتنا إلى الأفضل والأجمل، وأن أبقى أبتكر موسيقى جديدة.