إنطلاقاً من صميم المجتمع القطري، ومحاكاة للظواهر الاجتماعية الجديدة التي من شأنها التأثير سلباً على هذا المجتمع وأبنائه، جاءت فكرة مسرحية "خربطيشن" لتجسّد واقعاً قائماً في السنوات الأخيرة يتمثل في اعتماد البعض على المظاهر والتبذير والتباهي بالإمكانيات المادية بشكل مفرط ومثير للفوضى الاجتماعية.
"خربطيشن" مسرحية ضمن مسرحية، وبإطار كوميدي ساخر، وقد انطلقت أولى عروضها على خشبة مسرح قطر الوطني، وستستمر حتى مطلع الأسبوع المقبل، وهي من تأليف وإخراج المبدع طالب الدوس، ومن إنتاج شركة أورنج ميديا التي تقدم مع هذا العمل المتقن باكورة أعمالها. واللافت أن فريق العمل الضخم قرر أن يقوم خلال العرض الأول من المسرحية بلفتة تكريمية تجاه مبدع قطري راحل ترك بصمة في عالم الدراما والمسرح، ألا وهو الممثل الراحل عبدالعزيز جاسم.
تبدأ المسرحية مع قيام الممثلين ببروفا لمسرحية، فنشاهد تحركاتهم تنصهر داخل كادر بسيط وديكور غير متكلّف لكنّه عميق حتى الثمالة وسلس إلى حدود الإبداع. رسائل كثيرة يحملها الممثلون بأسلوب السهل الممتنع، مع بساطة في التعبير فتدرك المغزى من دون أن تخدش السمع، وتضع يداً على الجرح وأخرى تكتم ضحكة رنانة خارجة من القلب..إنها الحبكة المسرحية الموزونة التي تعكس واقعية الفكرة في إطار ساخر بعيد من التزييف أو البهرجة الكاذبة.
وعلى هامش المسرحية، إلتقى موقع "الفن" مؤلف ومخرج مسرحية "خربطيشن" الأستاذ طالب الدوس، الذي لطالما أتحفنا بأعماله الدرامية والمسرحية وحتى السينمائية، والتي كان آخرها فيلم "الحصار". الدوس وضع المسرحية ضمن إطار الكوميديا الاجتماعية التي من شأنها انتقاد الثراء المتصنع والإسراف والمظاهر الكاذبة في كل جوانب حياتنا، والتي تؤدي إلى تراكم الديون على المواطن الذي اشترى لحظات من السعادة الزائفة حتى يقضي بقية حياته في تعاسة وحزن. وتابع بالقول: ""خربطيشن"، هي لفظة محلية تطلق على الفوضى (اللخبطة)التي تصنعها أفعالنا حتى تصبح أزمة. هذه الظاهرة بدأت تنكشف بوضوح في المجتمع القطري، وأصبحت الغيرة الاجتماعية والمنافسة في التباهي أزمة ترهق الأسر وتلخبط حياتهم".
وعن فريق العمل وكيفية اختيار الممثلين، أشار الدوس إلى أنه "تمّ ترشيح الممثلين حسب متطلبات كل دور، واختيار عناصر العمل جميعهم من قطر من النجوم الشباب بهدف إعطائهم فرصة حقيقية لإبراز موهبتهم، ودعمهم بنجوم من أصحاب الخبرة والتجربة. بحسب أدوار المسرحية، فإن أغلب الأدوار تعد بطولة، وهي بطولة جماعية يشارك فيها محمد السني، أحمد عفيف، محمد الصايغ، فيصل رشيد، علي الشرشني، زينب العلي، مايا ونور عبدالعزيز، سامح الهجاري وعلي ربشة".
وعمّا إذا كانت المسرحية تعكس ما نعيشه اليوم على أرض الواقع أم هي مجرد صرخة غير مباشرة للاعتراض عما يحدث، أجاب المؤلف والمخرج: "مسرحية "خربطيشن" هي اقتباسات حقيقية لمشاهد يومية من الواقع الاجتماعي الذي نعيشه في الوقت الراهن، بل تفاقمت هذه المشكلة وأصبحت ملحوظة في قائمة السلبيات مع الطفرة الاقتصادية التي تعيشها البلاد..مشكلة المظاهر الكاذبة والتزييف، تلك الأزمة أو المشكلة كان لا بد أن نستحضرها على المسرح ونعالجها بشكل ساخر ومباشر وصريح، ونكتشف أسبابها وتأثيرها على المجتمع".
وحول كيفية تحفيز الجمهور للقدوم الى المسرح ومتابعة الأعمال المسرحية، علّق الدوس بالقول: "هناك فعلاً أزمة جمهور، أنا شخصياً لا أعرف أسبابها، فالأعمال المحلية تحديداً تعاني من قلة الجمهور والحضور على الرغم من أنهاتختار بعناية وبمعايير محددة من قبل مركز شؤون المسرح التابع لوزارة الثقافة والرياضة للارتقاء بالحركة المسرحية، وترضي ذائقة الجمهور، حيث توجهت الوزارة لتقديم أعمال تهم الجمهور وقضاياه، ولكن يبقى ضعف الإقبال الجماهيري لغزاً يحتاج إلى حل، على الرغم من أن هذا الجمهور هو نفسه الذي يندفع لشراء تذاكر بأسعار عالية لحضور مسرحيات من الخارج، وإذا ما قارنا جودة الأعمال على المستوى الفني فإن الأعمال المحلية تتفوق. أما بالنسبة إلى الكوميديا التي نقدمها، فهي لا تقل مستوى عن الأعمال القادمة المستوردة، أظن أننا بحاجة لدعم وثقة جمهورنا على الرغم من أننا نستخدم جميع الوسائل الممكنة والمتاحة للترويج لهذه الأعمال". وتابع بالقول: "بالنسبة إلى مسرحية "خربطيشن"، هي من إنتاج شركة أورنج، وأعتبرها فرصة للجمهور ليُعيد ثقته بمسرحه المحلي ويُشكل رأياً مغايراً في مسرحه المحلي، حيث تعتمد على المواقف الكوميدية وتسخر من إنسان يبحث عن أزمة له في ظل استقرار وأمن ورخاء دولة تسعى للاستثمار في الإنسان وتوفير الرخاء والكرامة له".