على الرغم من تعذّر حضور "جدة" الموجة الفرنسية الجديدة آنييس فاردا إلى العاصمة القطرية الدوحة للمشاركة في النسخة الخامسة من ملتقى قمرة السينمائي، الذي تنظمه سنوياً مؤسسة الدوحة للأفلام، إلا أن أعمالها الفنية كانت محور الندوة الدراسية التي شهدها اليوم الثاني ضمن فعاليات الملتقى المتخصص، وذلك على مسرح متحف الفن الإسلامي.
فاردا، التي أطلّت على صنّاع الأفلام الموهوبين وخبراء قمرة من خلال رسالة مصوّرة توّجهت بها إليهم معتذرة عن حضورها لظروف قاهرة، تشتهر بأفلامها القصيرة الفريدة من نوعها، والأفلام الروائية والوثائقية، ومهاراتها الفنية المميزة في الجمع بين المبادئ الثلاثة التي تعتمدها في كل مشاريعها ألا وهي: الإلهام، الإبداع، والمشاركة. وفي هذه الندوة المتخصصة تحدث الخبير البارز عالميًا في صناعة الأفلام ريتشارد بنيا، وهو أستاذ في دراسات الأفلام في جامعة كولومبيا ومدير مهرجان نيويورك السينمائي من عام 1988 إلى 2012، وهو ليس غريباً على ملتقى قمرة السينمائي، إذ سبق وأن حضر النسخات السابقة بهدف مشاركة أفكاره مع صنّاع الأفلام الواعدين من مختلف أنحاء العالم.
خلال الندوة اعتبر بنيا أن أنييس فاردا فريدة من نوعها بين معاصريها بسبب الطريقة السلسة التي يتدفق بها عملها بين الأفلام الوثائقية والأفلام القصيرة والأفلام الطويلة. وأضاف: "إنها رائدة في تقارب الأساليب والأشكال في ما نسميه اليوم "السينما البحثية"، وقد اهتمت بالتعبير عن الذات شخصياً قبل كل شيء، أكثر من مجرد الترفيه".
وقدّم بنيا تحليلاً لمقاطع من خمسة من أفلامها: لابورتي كورتي (1955)، كليو من 5 إلى 7 (1962)، المتشرد (1985)، الملتقطون وأنا (2000)، وشواطئ أنييس (2008). ولفت بنيا إلى استخدام فاردا للتقنيات الثورية المختلفة مثل التوقف بين اللقطات، التصرّف في الكاميرا، الإضاءة المنخفضة، واستعمال التصوير الرقمي المبتكر ولقطات الوسائط المختلطة عند تطوّر التكنولوجيا.
وصرّح بنيا حول مكانة فاردا في سينما الموجة الفرنسية الجديدة قائلاً: "إن مشكلة الموجة الفرنسية الجديدة هي أنه يصعب تعريفها، أهي مجموعة من المخرجين، أم فترة زمنية، أم أسلوب صناعة الأفلام؟ كما يوجد تقسيم داخل الموجة الفرنسية الجديدة بين المجموعة اليمينية واليسارية من المخرجين، إذ تميل أنييس إلى المجموعة اليسارية حيث كانت تعتبر السينما أقرب إلى الفنون الأخرى مثل الآداب والموسيقى، كما تأثرت أيضاً بالحركة النسوية الفرنسية رغم أنها لم ترغب بأن تبرز من خلال المعتقدات السياسية". وتابع بنيا بالقول: "من خلال أفلامها واهتمامها بالوعي الذاتي، تخبرنا أنييس عن نفسها، باعتبارنا جمهورها، وهو الموضوع الحقيقي في جميع أفلامها، هذا هو سبب الصراحة التامة في أفلامها، الأمر الذي يجعلنا نثق بها كصانعة أفلام".
والجدير بالذكر أن أنييس فاردا ولدت في بلجيكيا عام 1928 لأب يوناني وأم فرنسية، وبدأت مهنتها كمصورة فوتوغرافية في الخمسينات. وفي عام 1954، أصبحت مهتمة بالأفلام حيث استعملت مدخراتها ومساهمات أصدقائها لصنع فيلم "لابونتي كورتي" (1955)، الذي أصبح من أفضل الأفلام وأكسبها لقب "جدة" الموجة الفرنسية الجديدة. وقد تمّ الاحتفال بفاردا كثيراً لمساهمتها في صناعة الأفلام، وغالباً ما تعتبر ذات تأثير كبير للعديد من المخرجين الآخرين. وقد حصلت على العديد من الجوائز تقديراً لعملها، بما في ذلك جائزة الدب الفضي في مهرجان برلين السينمائي الدولي عن فيلم "كليو من 5 إلى 7" (1965)، وجائزة الأسد الذهبي في مهرجان فينيسيا السينمائي الدولي (1985) عن فيلمها "المتشرد" (1985)، وجائزة ليوباردو دي أونور في مهرجان لوكارنو السينمائي (2014)، وجائزة السعفة الذهبية الشرفية في مهرجان كان السينمائي (2015)، وجائزة الجمهور لأفضل فيلم وثائقي في مهرجان تورونتو السينمائي (2017) عن فيلم "وجوه وأماكن"، وجائزة أوسكار شرفية تقديراً لمساهمتها في السينما. وفي عام 2003، أضافت إلى مسيرتها مهنة ثالثة وهي الفنون البصرية وعرضت أعمالها في أهم المعارض والمتاحف المرموقة في العالم.
وعلى صعيد آخر، حفل اليوم الثاني من الملتقى بمجموعة من الجلسات النقاشية بين صنّاع الأفلام المشاركين وخبراء قمرة الذين لم يبخلوا بتقديم آرائهم وخبراتهم لهؤلاء الطامحين بالتطوّر في هذه المهنة، كما عقدت ندوة سينمائية مُلهمة تحدث فيها خبير قمرة ومصمم الديكور المُرشح للأوسكار يوغينيو كاباليرو.