"حسني البورظان" هو الإسم الذي ربما يعرف به الممثل السوري نهاد قلعي أكثر من اسمه الحقيقي، وهو الإسم الذي تسبب بوفاته بحادثة غريبة انهت مشوار فني عريق.
نهاد قلعي ممثل سوري ولد حي ساروجة الدمشقي في السابع عشر من تشرين الأول/أكتوبر من العام 1928، واسمه الحقيقي نهاد قلعي الخربوطلي نسبة للخربوط، وهي مدينة تركية تقع في شرق الإسطنبول، وهو من أصول كردية.
نهاد قلعي.. موهبة منذ الصغر لم يكتب لها التخصص بالتمثيل
نشأنهاد قلعيفي دمشق وتعلم في مدارسها، حيث بدأ مشوراه التعليمي من مدرسة البخاري الابتدائية، وهنا أكتشف استاذه عبد الوهاب أبو السعود موهبته بالتمثيل حيث كان قلعي يشارك في المسرحيات المدرسية، وهذا ما جعل الفنان وصفي المالح يسند لقلعي دوراً صغيراً في مسرحية "مجنون ليلى"، حيث كان طالباً في المدرسة.
بعد انتهاء دراسته في الثانوية العامة قرر قلعي الإلتحاق بمعهد التمثيل في القاهرة إلا انه قبل سفره بأيام تعرض لسرقة نقوده، مما أجبره على ترك السفر والعمل في دمشق فكانت إنتكاسه كبيرة لقلعي وضربة موجعة له.
بعد سرقة أمواله.. نهاد قلعي يهجر التمثيل
قرر قلعي ترك حلمه في التمثيل، وعمل بالعديد من المهن بعيداً عن الفن حيث كان بفترة من حياته مراقباً في معمل للمعكرونة، ثم ضارباً للآلة الكاتبة في الجامعة، ونقل بعد ست سنوات من العمل إلى وزارة الدفاع واستقال بعدها ليعمل مساعداً لمخلص جمركي طوال خمس سنوات، إلى أن عمل لحسابه الخاص.
رغم الظروف.. نهاد قلعي لم يترك حلمه
حلمنهاد قلعيبالتمثيل لم ينته رغم الظروف الصعبة فظل مهتماً بتنمية موهبته والعمل عليها الى انه انتسب الى استديو البرق سنة 1946 وشارك بتقديم مسرحية "جيشنا السوري"، وفي عام 1954 أسس النادي الشرقي مع سامي جانو والمخرج خلدون المالح، وراح يقدم في المسرحيات أدواراً كوميدية، وبين أعوام 1957 و 1959 قدم قلعي مع فرقته العديد من الأعمال المسرحية المميزة منها "لولا النساء" و"ثمن الحرية" على مسارح القاهرة، وأشادت بهم الصحافة المصرية وحائزت على إعجاب المسرحيين المصريين، ونجح بأن يظهر كممثل ومخرج مسرحي بارع.
الشهرة في مصر.. والعودة الى سوريا
شهرته التي لمعت بمصر قادته الى سوريا، حيث انضم الى التلفزيون السوري الى جانب كبار النجوم السوريين منهم دريد لحام وياسين بقوش وعمر حجو وياسر العظمة، وقدم مع شريك حياته الفنية دريد لحام برنامج "سهرة دمشق"، من ثم تعمقت العلاقة بينهما وقدما العديد من الاعمال المسرحية التلفزيونية والسينمائية فيما بعد.
ثنائية حسني البورظان وغوار الطوشي
يقول دريد لحام عن أول لقاء بقلعي: كان يوم 23 تموز يوماً هاماً في حياة الشعبين المصري والسوري عام 1960 يوم افتتاح التلفزيون المصري والتلفزيون السوري ففوجئت بمدير التلفزيون الأستاذ صباح قباني (شقيق الشاعر نزار قباني) يستدعيني ليطلب مني تقديم بعض أعمالي الجامعية على الشاشة الصغيرة، كانت لديه فكرة مسبقة عن نشاطاتي الثقافية لطلاب الجامعة إستهوتني الفكرة، وبدأت صلتي بالتلفزيون بدءا من الأسبوع الثاني من بدء الإرسال، وكان أول عمل لي كهاو "إسكتش" "الإجازة السعيدة" من إخراج خلدون المالح الذي عرض في التلفزيون المصري أيام الوحدة.
ويضيف لحام: "في أول حلقة كان المطلوب أن يظهر خمسة أشخاص أنا وثلاثة آخرين وبقي الخامس الذي يصلح للدور، وكان موظفاً جمركياً اسمه نهاد قلعي وهكذا التقينا أنا ونهاد".
صفعة الفشل لم توقف ثنائية نهاد قلعي ودريد لحام
بعد افتتاح التلفزيون بعام واحد وبمناسبة أعياد الثورة عام 1961 قام دريد ونهاد بتقديم أوبريت مسرحي عنوانه "عقد اللولو" الذي لقي استحسان الجماهير فأعجب به المنتج نادر الاتاسي وقرر تحويله إلى فيلم سينمائي، وحقق العمل الذي تم انتاجه عام 1964 نجاحات كبيرة جداً، من ثم قدما فيلم "لقاء في تدمر" عام 1965 الذي استكمل مسيرة النجاح، مما دفع لتعاون جديد بفيلم "الشريدان" لكنه كان صفعة قوية لقلعي ولحام حيث فشل العمل بشكل كبير بسبب مشكلة تقنية فيه وهي ان الصوت لم ينطبق على الصورة.
فشل فيلم "الشريدان" أوقع قلعي ولحام في مشكلة كبيرة وهي كيفية استعادة الثقة بالجمهور، فقدما فيلم "فندق الأحلام" عام 1966 بالألوان مع الممثلة اللبنانية ميشلين ضو، فأعاد مجدهما بنجاحه الباهر، فقدما بعده فيلم "أنا عنتر"، وفيلم "المليونيرة" مع الشحرورة الراحلة صباح، ووصلا الى قمة النجومية.
عام 1967 لم يتخيل نهاد قلعي ان مسلسل "حمام الهنا" الذي كتبه شخصياً سيحقق النجاح الكبير الممتد الى يومنا هذا، خاصة ان العمل أسس لمرحلة جديدة في الدرما السورية والعربية.
استمر التعامل بين قلعي ولحام بالعديد من الأعمال حيث كتب وشارك قلعي مع لحام بـ" مقالب غوار" وفيلم "النصابين الثلاثة" بمشاركة الممثل المصري الراحل فريد شوقي ودريد لحام، وغيرها من الأعمال.
بالتزامن مع نجاحاته في التلفزيون والسينما، أسس نهاد قلعي مع دريد لحام وآخرين مسرح "تشرين" وقدموا من خلاله "ضيعة تشرين" و"مسرح الشوك"، أما آخر عمل لنهاد قلعي مسرحياً كانت مسرحية "غربة".
إسم "حسني البورظان" تسبب بشلله ووفاته
لم يتخيل يوماً نهاد قلعي ان يتحول اسم شهرته "حسني البورظان" الى نقمة كبيرة عليه سيتسبب بشلله ومن ثم بوفاته.
ففي أواخر السبيعينيات نشب اشكال بين قلعي واحد الاشخاص اثناء تواجدهما في أحد المطاعم، فضرب الشاب قلعي بالكرسي على راسه ما تسبب بشلله، وعن الحادثة يقول الناقد السينمائي "بشار إبراهيم" في كتابه نهاد ودريد: "كان نهاد قلعي ودريد لحام وشاكر بريخان يسهرون في مطعم النادي العائلي في حي "بابا توما" بدمشق، ويستقبلون صحفيا لبنانياً هو جورج إبراهيم الخوري. وقبل نهاية السهرة غادر دريد لحام، وبقي ثلاثتهم ساهرين، وعندما نفذت سجائر الضيف، طلب من النادل سجائر، لكن النادل لم يلبِ طلب الضيف، ما أثار غضب نهاد قلعي، الذي أنب النادل، وإذ برجل يجلس مع شلة من رفاقه على طاولة مجاورة إلى خلفهم، ينادي بصوت غليظ عال: (بورظان بدك سجائر؟ تعال خد من عندي) فقال له نهاد (أنا ما بدي من حدا سجاير، بعدين أنا ما لي اسم معروف تناديني به يا حمار)، ويضيف الناقد ابراهيم: "لم يكن أحد يتوقع أن تكون هذه الجملة مدمرة ليس للسهرة بل لحياة نهاد قلعي كلها، إذ إنه سيفاجأ بضربة كرسي تنهال على رأسه، تتبعها ضربات أشد قسوة أدت به إلى المستشفى، حيث تمت معالجته بشكل سريع، وخياطة الجرح الذي ألمّ برأسه دون عناية كافية"، تفاعلات هذا الحادث وانتكاساته الطبية كما يقول ابراهيم لاحقت نهاد 15 سنة وجعلته حبيس بيته والمرض من جرّائه.
حادث مدّبر أم عابر
يزعم بعض النقاد السوريين أن حادثة الإعتداء على قلعي التي تسببت بشلله كانت مدّبرة حيث تبين أن الشاب الذي ضرب قلعي هو ضابط في عناصر سرايا الدفاع وهي إحدى الأجهزة المخابراتية السورية التي تأسست أواخر السبعينيات من القرن الماضي لضبط الأمن بسوريا، ويعتمد هؤلاء النقاد في تبرير نظرية المؤامرة على قلعي، بأن الضابط الذي ضربه لم تتم محاكمته ولم يلق القبض عليه أساساً.
أما البعض الآخبر فيعتبر أن الإشكال الذي حصل لم يكن مدبراً بل وليد اللحظة.
نهاية مأساوية حزينة لمن أدخل الفرح لقلوب الجمهور
بعد سنوات مع الصراع مع المرض المزمن، وبضائقة مادية كبيرة، ووحدة مخيفة حاول كسرها فكتب حلقات قصص مصورة للأطفال في مجلة "سامر" وكتب مسلسلين أحدهما لم ير طريقه إلى النور وحمل عنوان "يسعد مساكم" وثانيهما "عريس الهنا" بث عام 1984، وبعدما أن باع كل شيء يملكه ليعالج نفسه من مرض الشلل، تدهورت صحة قلعي في العام 1993 ونقل إلى مستشفى الهلال الأحمر، ورغم كل الجهود التي بذلت فإن إصابته المزمنة ومعاناته القديمة من مرض السكر لم تمهلاه، إذ تعرض لأزمة قلبية فلفظ أنفاسه الأخيرة في 17 تشرين الأول على فراشه ورحل من أضحك الملايين بنهاية مأساوية.
معلومات لا تعرفها عن نهاد قلعي:
- تم منحه وسام الاستحقاق السوري من الدرجة الممتازة عام 2008.
- نهاد قلعي متزوج وله ابناء، منهم السيدة مها قلعي التي أطلت في ذكرى تكريمه عام 2015، من قبل جمعية أصدقاء دمشق.