من باريس الى لبنان، يعود المؤلف والموزع الموسيقي وعازف البوق ابراهيم معلوف ليطلق الحانه في مهرجان البترون الدولي، حاملا معه الموسيقى الفرنسية الممزوجة بأصوات جذوره الشرقية.
إبراهيم هو رائد في عالم موسيقى الجاز المعاصرة ويُعتبر احد اهم عازفي البوق والأكثر موهبة بين ابناء جيله.
منذ ولادته عام 1980 في بيروت، نشأ في عائلة إلتزمت مع الموسيقى حتى الإحتراف، فوالده عازف البوق نسيم معلوف ووالدته عازفة البيانو ندى معلوف، لذا كان من البديهي أن يرث منهما هذا الفن لينقله بدوره الى العالم.
دخلنا الى ساحة كنيسة مار أسطفان التاريخية التي تطلّ على مرفأ البترون حيث يتخذ المهرجان مكاناً له. وجد السياح الأجانب متعةً في مشاهدة الكنيسة الأثرية من الداخل ريثما ينطلق عرض معلوف على المسرح. اخذنا مقاعدنا في الصف الثاني من المدرجات المخصصة للسياسيين والشخصيات العسكرية والإعلامية، وهنا تجدر الإشارة إلى أن المهرجان يعرف جيداً كيف يكرّم أهل الصحافة والإعلام على عكس ما تجري الأمور في بعض المهرجانات الأخرى.
أُطفأت الأنوار، الصمت يسكن المرفأ والكل ينتظر إطلالة عازف البوق الشهير . دخل بعفوية مطلقة وبإطلالة عصرية، حيث ارتدى بدلة رسمية مع حذاء رياضيّ أبيض. حيّا الحضور باللغات الثلاث الفرنسية والإنجليزية والعربية قائلاً :"مساء الخير أردت اليوم أن أقدّم السهرة بدلاً من أي أحد، لقد اشتقت لكم كثيرا لأنني آتي الى لبنان مرّة كل سنة أو مرّة كل سنتين". واستذكَرَ المرّة الأولى التي جاء فيها الى لبنان وعزف موسيقاه وراح يمارس مهنته في التعليم ويلقن الحضور دروسا في الغناء ليردد معه إيقاعات الموسيقى وغناء النغمات من دون خجل.
وقد أعدّ ابراهيم لهذه العودة موسيقى خاصة أراد أن يقدمها لإحياء ذكرى أم كلثوم بأغنية "ألف ليلة وليلة" التي عزفها على البوق على طريقته واختار أن يشاركه العزف فنانون لبنانيون إعتبر أنه يجب أن يلقى الضوء عليهم بدلا من الإستعانة بعازفين عالميين أجانب، بالإضافة الى رغبته في أن يبقى هو المحور الأهم في المهرجان.
إستقبل العازفين ساري خليفة على التشيلو Cello ، وعياد خليفة على البيانو، قدما "فيروزيات" ورافقهما معلوف على البوق "جارة القمر" و"نحنا والقمر جيران" و"سألوني الناس"وغيرها، فأمتعوا الحضور بهذا المزيج، ومعلوف الذي يعتبر أن اللبنانيين متطلبون وذوقهم صعب، حصد تصفيقا حارا جدا في تلك الليلة.
التفاعلُ مبهرٌ. ذكاءُ معلوف يجعل الحضور يصفق مع إيقاعاته من دون استئذان. هذه اللحظة أراد ابراهيم توثيقها فسارع الى هاتفه ليلتقط اللحظات. من الفيروزيات الى الكلثوميات عزف مجددا "ألف ليلة وليلة" على البوق، وهذا ليس بالأمر السهل أن يعزف إيقاعات شرقية على آلة غربية وبآلة تعتمد على قوّة النفخ والنفس. الإصغاء سيد الموقف، الهدوء يرافق نغمات معلوف. ثم عادت الأجواء للتفاعل مع عازفي إيقاعات الدرامز والساكسوفون والبيانو الذين شاركوا ابراهيم العزف لتكون ليلة مختلفة، ليلة من "ألف ليلة وليلة".
هو "طيب القلب"، "المعطاء" و"المبدع" عبارات رددها كل من عرف معلوف وأهمها "القائد". حقًا ابراهيم معلوف قادنا تلك الليلة في رحلة من مرفأ البترون الى الشرق الأوسط بشراع باريسي.