مجنون الثقافة بالمجّان وهو أنسيٌّ وكاتب ومروّج ثقافة، يسعى إلى عولمة الثقافة المجانية، فيقدّم في هذا السبيل عمله وماله، ولا يتوانى، حتّى عن الإستدانة.
منذ العام 1979 وهو على رأس دار نعمان للثقافة، وفي سجله سلسلتان من الدراسات المتخصصة المستمرة، وموسوعتان، وأكثر من ثلاثين مجلداً وكتاباً، منها كتب أدبية عديدة، كان آخرها "المسالم" "2005".
ناجي نعمان الذي دعاه ولعه بالثقافة وعشقه الى انشاء سلسلة من الكتب الأدبية المجانية في العام 1991، ثم العام 2002 الى اطلاق مجموعة من الجوائز الادبية السنوية، مع التشديد على أنه لا يتلقى، ولا يقبل، أي دعم من أي جهة، منعاً لأي تدخل في ما يقوم به.
مع الأديب ناجي نعمان كان هذا الحوار.
صدرت عن دارك منتخبات من كتاباتك في اربع عشرة لغة مختلفة..
صدر لي مؤخرا "الناجيات" وهو عبارة عن منتخبات من كتاباتي الادبية ظهرت باللغات التالية: الارمنية، الاسبانية، الاسوجية، الالبانية، الالمانية، الانجليزية، الايطالية، الرومانية، الصربية، العربية "النص الاصلي"، الفارسية، الفرنسية، الكريول، المقدونية.
وهذه المنتخبات مأخوذة من كتبي الآتية: "الرسائل" "1995"، "المنعتق "1997"، "المندمج" و"الذكرى" "1999"، "الحالم" "2001"، "الالفياء" "2002".
من أسهم في هذا العمل؟ وهل من ترجمات اخرى قيد التحضير؟
اسهم في هذا العمل المجاني "ترجمة وتوزيعا" اكاديميون وجامعيون من مثل: دوميترو م. ايون، رئيس الاكاديمية الدولية شرق - غرب "بوخارست – رومانيا"، شكيليم كازا، شايب ايميرلاهو، مدير المهرجان الأدبي الدولي "ديتيت ونعيمت" "سكوبيي - مقدونيا"، البروفسور الاب عادل تيودور خوري، عضو الاكاديمية الاوروبية للعلوم والفنون "جامعة مونستر - المانيا"، سيليا دين "الجامعة العربية المفتوحة - بيروت"، برانكو شفتكوسكي، مدير المسرح الوطني في مقدونيا، منيجة محبي "جامعة طهران - ايران"، الدكتور نبيل نعمان، رئيس الـ أ.ده.ان.ام "باريس - فرنسا"، بالاضافة الى النائب البطريركي المونسينيور جورج يغيايان، والاب كريكور شاهينيان "دير سيدة بزمار"، والاخت ماريا بزانا، من اخوات القديسة مارتا "روما - ايطاليا"، وشعراء وادباء وألسنيين من مثل: ليفون طوروسيان "فيينا - النمسا"، نيكول كاج - فلورونتيني "سانت ماري - المارتينيك"، رونيه فيرير "اسونسيون - الباراغواي"، ريستو فازيلفسكي "صربيا"، نوزيكا هوبت "استوكهولم - اسوج".
هذا، مع الاشارة الى أن ترجمتين جديدتين للمنتخبات نفسها هما قيد الإعداد: الأولى الى اليونانية بهمة المؤرخ اليوناني ديميتريس كاموزيس، والثانية الى الكردية على يد المستشرق الروماني جورج غريغوري الذي كان له فخر ترجمة القرآن الكريم الى الرومانية.
ما قصتك مع المجانية؟ والى متى تعود؟
كل ما املته، ابتداء من الثانية عشرة من العمر، أمران: أن أضع يوماً ما كتاباً يكون "كتابي"، واوزعه بالمجان، وأن تكون قبلتي الأولى للفتاة التي أحب، وعرفت نفسي في بعض مراسلاتي الى الخارج، في التاسعة عشرة من العمر، بأنني "انسان من هذا العالم" يطمح الى "وضع الكتب المجانية".
ولئن فشلت في سعيي الثاني، فلم تأت قبلتي الأولى لحبي الاول، فان سعيي الاول تم، وان بعد حين، اذ ما زلت في فكرة المجانية تلك الى أن تسلمت، بين 1978 و1979 ادارة "المنشورات العربية" التي كان يشرف عليها، بين مدينتي ليون الفرنسية وبيروت اللبنانية، الاب بول كورون، ذاك الذي سحر بالشرق، وبكل ما فيه، وصولا الى الـ "بابا غنوج"، الطبق المفضل لديه، وكانت "المنشورات العربية" تعنى بنشر روائع الادب الفرنسي، الى الكتب المعاصرة في الانسانيات والعلوم، وتوزع بأسعار معقولة جداً، لا سيما أنها كانت مدعومة من بعض المؤسسات الفرنسية واللبنانية، كما من دائرة العلائق الثقافية في وزارة الخارجية الفرنسية، وقد كان لي، فيها، أول ترجماتي المطبوعة "الدولارات الاوروبية" في العام 1978.
متى بدأت بوادر تحقيق الحلم؟ وكيف كان ذلك؟
لا يزال حلم المجانية يراودني الى ان قامت دار نعمان للثقافة، في العام 1979، وكان لي فيها، في العام عينه، اول مؤلفاتي المطبوعة والمنشورة: "خمس وعشرون"، وقد قمت بتوزيع نسخ من الكتاب على جميع معارفي بحيث أنه، عندما أعيدت اليّ النسخ الموزعة على المكتبات، واحصي ما بيع منها، جاء محدودا، واذ ادرك الموزع ما قمت به قال لي: ان أنت اهديت جميع معارفك، فلمن ستبيع؟ ولم دار النشر؟. لقد كان محقاً لو أن الدار كانت دار نشر مما هو متعارف عليه، ولكنها دار الثقافة، والثقافة، في عرفي، لا تباع ولا تشترى.
لكن كيف استمررت في دار من المفروض أن تعيل صاحبها وعائلته، اذا كان صاحبها لا يود التجارة بالادب، ولا يسعى لدعم المؤسسات له؟
تلك بقيت المسألة، واما الجواب فكان عبر تطوير هيكلية الدار وتفعيلها، فانتقلت بها من مكتب أخضر مرقط مركون خلف البراد في الممشى المؤدي الى مطبخ بيت صربا الى مكتب "شرعي" وسط سوق جونية الرئيسة، وقمت بتنويع المنشورات الصادرة عنها، فانطلقت بسلسلتي "سياسة واستراتيجيا" في العام1981، و"ذي أرب ورلد" في العام 1985، وهيأت لاصدار "موسوعة العالم العربي المعاصر" ابتداء من العام 1983، و"موسوعة الوقائع العربية" ابتداء من العام 1997، كما لإصدار مجلدات في تراجم مشاهير العرب الانجليزية.
كيف امكنك الاستمرار في العطاء الادبي في مثل هذه الكثافة من الاعمال الخارجة على نطاق الادب؟ وكيف تحققت الامنية اخيرا؟
كان من شأن ذلك أن انقطعت عن الكتابة الادبية المنتظمة، ولكم كانت دهشتي عظيمة، لما انتظمت في تلك الكتابة مجددا، أن أجد لا تناقض البتة بين جديدي من الأدب وقديمي منه، بل وجدت تناغماً واستمرارية وتطوراً.
ولما وجدت لفكرة توزيع الكتب الادبية بالمجان منفذا في العام 1991 عبر اصدار سلسلة "الثقافة بالمجان من دار نعمان للثقافة" حلت كارثة "بنك الاعتماد والتجارة الدولي" وكادت ان تقعدني، لكني ثابرت، ومن قلب المعاناة التي زادت سوءا لما عرفه لبنان والمنطقة من كوارث سياسية انعكست سلبا على الواقع الاقتصادي، أقول انطلقت من قلب المعاناة وبدأت في اصدار السلسلة ابتداء من العام 1995، لا بل زدت شجوني المادية وجهودي الفكرية، صيف العام 2002 شجونا وجهودا، عندما اطلقت جوائزي الأدبية السنوية التي تكافئ الاعمال الادبية في النطاق العالمي على أساس عتق هذه الأعمال من قيود الشكل والمضمون، والارتقاء بها فكراً وأسلوباً، وتوجيهها لما فيه خير البشرية ورفع مستوى انسنتها، عن طريق نشرها ضمن السلسلة المجانية!
ما الهدف من كل ذلك؟
يبقى الهدف أن يتلمس المرء الدرب المؤدية الى مسيرة الانسان الطويلة نحو معرفة النفس البشرية وسعادتها، ولطالما رددت أن لا فضل لمن يعطي من فضلاته، بمعنى ان من يعطي قليلاً من كثير لا فضل يذكر له، فيما من يعطي الكثير من القليل هو صاحب الفضل الاكبر، افلا اتبع ما اقول؟