هو واحد من أهم مخرجي السينما بالوطن العربي، فهو من مدرسة الواقعية ومؤمن للغاية بأن السينما مرآة للواقع، فقد قدم العديد من الأعمال المتميزة الشاهدة على تاريخه الفني المليء بالإنجازات.
. هو المخرج باسل الخطيب الذي يتحدث لـ"الفن" عن فيلمه الأخير "سوريون" وظروف تصويره بمناطق إنفجارات والتحدي الكبير لتنفيذ هذا العمل، لا سيما وأنه يكشف عن موقفه من التعاون مع فناني سوريا المختلفين معه في آرائه السياسية ورؤيته لإستمرار الدراما السورية وإختفاء الأعمال التاريخية من سوريا وعن الكثير من الأشياء في الحياة الفنية كان لنا معه اللقاء الآتي .
فيلم "سوريون" يُمثل حالة إنسانية بالغة الدقة، وفي الوقت نفسه لم تعرض طبيعة المكان الذي تم التصوير فيه، لذا شعرت بأن الفيلم ينطبق على ما يحدث في كل الدول العربية من الحرب الإرهابية التي نتعرض لها، فهل هذا كان مقصوداً؟
برأيي.. هذا يعطي قيمة إضافية للعمل، لكن الحالات الإنسانية التي ظهرت بالفيلم من المعاناة والقهر يمكن أن يتم إسقاطها على أي مكان آخر بالوطن العربي أو حتى خارجه لأن المعاناة الإنسانية واحدة وشاملة، وهناك تركيز على الحالة السورية أكثر من أي شيء آخر لأن ما شاهدناه بالفيلم هو يحدث اليوم في سوريا، فقد تشعر بأن القصة عامة لكن دخول تفاصيل الحديث يجعلك تشعر بأن هذا شيئاً يحدث اليوم بسوريا بالفعل.
فيلم "سوريون" ضمن ثلاثية أفلام بدأتها منذ سنوات، فكيف بدأتها وهل هذا التكوين كان من البداية أو من قبيل الصدفة؟
المشروع بدأ مع فيلم "مريم" ولم يكن مخططاً له أن يكون ثلاثية سينمائية، وبدأ المشروع عندما قرأت حادثة حدثت بتاريخ فلسطين القريب عن فتاة فلسطينية لم تبلغ العاشرة من عمرها وكانت على وشك أن تذهب لتغني بقصر أحد الأغنياء في فلسطين لكن فجأة تقع حادثة داخل هذا القصر الذي كان يتواجد فيه زعماء وسياسيون كثيرون، فجأة تقع حادثة وتحترق وتموت هذه الفتاة، فكانت هذه الحادثة موحية بالنسبة لي من ناحية كيف يمكن أن يتحول هذا المصير البريئ بسبب ظرف ما، ومن هنا قررت أن أنطلق لأحكي حكاية مريم بإسقاط على ما يحدث في سوريا لأنه فيلم يتحدث عن تاريخ سوريا من خلال ثلاث حقبات زمنية، وبعد هذا الفيلم وجدت أن موضوع المرأة وما تعانيه اليوم في سوريا يتحمل الكثير وهناك الكثير من الأحداث والمصائر التي يمكن أن نتحدث عنها وقررت أن أطور هذا الأمر من خلال ثلاثية سينمائية يكون محورها الرئيسي هو "المرأة في زمن الحرب" لإيماني الشديد بأنها البداية الحقيقية للحياة والمصدر الأساسي للطاقة الإيجابية بالحياة رغم ما يُشاع عنها أنها كائن ضعيف لكن بداخلها قدرة ربما تكون أقوى من الرجل على المواجهة والثبات، لذا أردت أن أضع هذه الشخصيات في الثلاثيات بمختلف أوضاعها الإجتماعية.
هاجمت الجماعات المسلحة بشدة في فيلم سوريون.. ألم تخش أن يتعرضوا لك بسبب هذا العمل الذي يكشف وقائع ما يفعلونه؟
ليس هناك فنان سوري إلا ووصلت له تهديدات بأي شكل ممكن، وأنا واحد من الناس الذين وصلتني عشرات التهديدات وكلها كانت تدفعني إلى أن أغادر سوريا لكن بالنهاية هناك موقف أخلاقي ووطني أن هذه البلد الذي احتضنني وقدم لي كل شيء في وقت السلم وأتاح لي الفرصة أن أكون موجوداً الآن فلا يجوز في وقت الصعوبات أن أدير ظهري له وهذا الأمر مرفوض وغير مقبول، فعشنا حالات خوف لكنني كنت آمناً بالخيار ومستعداً للدفاع عنه حتى النهاية.
ولماذا فكرت بكتابة فيلم "سوريون" وأن يكون خاصاً بك بالدرجة الاولى؟
أثناء تصويري كل فيلم أرسم أو اخطط للفيلم الذي بعده، ومن هُنا وجدت أن قضية الكتابة شاقة ومعذبة وتأخذ وقتاً طويلاً للغاية مني، لكن الأفكار التي أكتبها قد لا أجد كاتباً يستطيع أن يكتبها بالطريقة نفسها التي أكتب بها، كما أن كتابة السيناريو تعطيني إمكانية أن أضبط كل عناصر الفيلم وهو على الورق، وأنا برأيي هذا الأمر لا بد من ضبطه قبل التصوير والمونتاج، فبداية تكوين المشروع أحب أن تكون من عندي بكل أبجديتها وتفاصيلها.
وكيف ترى إستخدامك لفكرة الرموز في أعمالك السينمائية؟
لا أستخدم ولا أحب الرموز في السينما ولا توجد رموز في أعمالي بل إنها حالة أدبية شعرية قد تصلح في الأدب والمسرح لكن لا تصلح للسينما، فالسينما هي فن يقوم على المعاني المجازية وليس على الرموز، فتصير الشخصية رمزاً يقيدها ويضعها في إطار محبوس، فشخصية "زينة" التي قدمتها ميسون أبو أسعد شاءت كل ظروف الحياة أن ترحل عن الدنيا، فالحلم الذي كان أمامها كان بشكل كابوس وبيت مُهدم، وهذا الامر له إعتبارات كثيرة، وكأن هناك شخصيات كان موتها بريقاً لأهميتها بخاصة أن الموت هنا جسدي وليس روحياً.
فكرة تقديم أعمال عن الحرب السورية البعض يراها من منظورين أحدهما أن ننتظر الحرب لنعرف كل ما وقع فيها وبعدها نُقدم أفلاماً توثقها والأخرى تقول إنه يجوز تقديم اعمال وقت الحرب وهذا ما فعلته أنت.. فكيف ترى الامر؟
أولاً.. اليوم الأمور في سورية أكثر من واضحة ولا يوجد وقت كي ننتظر المزيد من النتائج، وما يحدث اليوم في سوريا بات مفهوماً للجميع، لكن من هم خارج سوريا بسبب البعد الإعلامي لا يواكبون حقيقة ما يحدث في سوريا، ومن الواضح أن هناك مؤامرة على هذا البلد بحيث لا تقوم له قائمة، وهذا الشيء صرنا نعرفه من خلاله أن كل ما يصير في الوطن العربي هو من نتائج الصراع العربي الإسرائيلي، وهذا الشيء لا يجوز أن نختلف عليه وواضح أن هناك قوى إستعمارية سخّرت هذه القوى الظلامية لتدمير بلد عريق، فأنا لا أتبنى أي موقف سياسي على الإطلاق سوى أن أدافع عن هذا الشعب وحقه وأن يكون هو صاحب القرار في تقرير مصيره وسيادته.
وما موقفك من التعاون مع الفنانين السوريين الذين يختلفون معك في آرائك السياسية؟
ليست لدي مشكلة إطلاقاً وهناك بالفعل أشخاص إختلفنا في الآراء السياسية وتعاونا معاً بالفعل حتى في فيلمي "مريم" و "الأم"، لكن في النهاية هذا الإختلاف مشروع وكل شخص يدافع عن وجهة نظره، وأنا من ناحيتي ليست لدي مشكلة، لكن الكارثة الحقيقية اليوم أن أي فنان سوري رفض أن يخرج من سوريا ويتوجه إلى أي دولة أخرى وبقي يعيش في سوريا فالبعض يعتبره مع النظام وهذه تهمة غير صحيحة.
وهذا بالفعل ما ربطته وسائل الإعلام وذكرت أن من بقوا في سوريا من الفنانين النظام يحميهم؟
الفنانون الذين خرجوا من سوريا وهاجموا الأحداث اليوم هم يتسولون العمل والرواتب والإقامات، فهل مطلوب مني أنا كمخرج أن أدير ظهري لبلدي ووطني كي أكتسب شرعية مزيفة!.
في النهاية.. كيف ترى إستمرار الدراما السورية وتقديم كم جيد من الاعمال مقارنة بالأوضاع الصعبة، لكننا لم نعد نرى أعمالاً تاريخية، فهل هذا يعود لتكاليف هذه النوعية من الأعمال؟
الأعمال التاريخية مكلفة للغاية وتصور في مناطق صعبة الوصول إليها في الوقت الحالي، ومن الصعب تأمين هذه الأعمال من الناحية اللوجستية، وبالتالي من يقوم بتصوير عمل تاريخي غالباً يتم تصويره خارج سوريا وبتمويل من الخارج، وعلى الرغم من أن سوريا خيار ممتاز للأعمال التاريخية سواء من ناحية الطبيعة والخدمات التي بها لكن الأمر لم يعد الآن، وأتمنى أن تمر الازمة ونستعيد عافيتنا.