ما نعرفه جيداً كشعوب عربيّة عن الثورات والإنتفاضات، هو أنها دائماً ما تكون سياسيّة أمنيّة، بنكهة العسكر ومذاق الدم. ما نعرفه أكثر في هذه المنطقة، هو أن الخنوع أسلم من الوعي، الليل أستر من النهار، والموت أفضل من الحياة.
هذا ما نعرفه، أما ما لا نعرفه فهو أعمق، نحن لم نتعوّد بعد على الفن الحامل للقضايا الإنسانيّة بخيباتها ونجاحاتها ، بعقلانيتها وجنونها، بوعيها ولاوعيها.
فنحن لسنا من جيل العروبة الكلثوميّة والقومية الرحبانية، نحن أجيال تحميل الأغاني وحمل أعباء الإنحدار، جيل التعوّد على غير المعتاد، كلاماً ، ألحاناً وأصواتاً ، إلى أن شهدنا منذ أيام قليلة على إنتفاضة جديدة، على ربيع لبناني كان من المفترض أن يلحق بربيع وعي سياسي وإقتصادي وإنمائي، فها به يأتي كربيع فنّي ثقافي منفرد.
علّى نقيب الموسيقيين المحترفين الفنان مروان خوري الصوت، وطالب بما كان يجب أن يُطالب به منذ زمن بعيد من قبل أسلافه ، قالها مروان خوري صريحة واضحة لا لُبس فيها ولا إلتباس :"نظّموا عمل الفنانين غير اللبنانيين في لبنان ، لكي نضمن حقوقهم كما حقوق الفنانين اللبنانيين".
عبر كتاب مفتوح إلى المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم ، ومن ثم عبر مؤتمر صحافي ، صرّح مروان عن كل الحقوق المهدورة وطالب بإسترجاعها .
خطوة وطنيّة قام بها مروان خوري الحريص دائماً على حاسة الروح كما حاسة السمع. فالفنان اللبناني عند سفره إلى ايّ بلد عربيّ أو أجنبي، يُلزم بفيزة عمل ، وإن أقام حفلة بتأشيرة الدخول السياحية يُحاكم بالسجن ودفع الغرامات. فهو ملزم بتأشيرة العمل له ولكل فريق العمل من مدير أعمال وفرقة.
وهذا بالأمر الطبيعي والمقبول جداً، لكن لماذا لا يُطبّق الشيء بالمثل هنا في لبنان؟ لماذا لا يسدد الفنان العربي ضرائبه كاملة ويُنظّم عمل الفنانين والفرق الموسيقيّة حسب قوانين ضابطة أكثر؟ لماذا لا يُعامل الفنان العربي والأجنبي في لبنان كما يُعامل اللبناني في الخارج ؟ إلى متى سوف يبقى اللبناني مكسور الهيبة والقيمة؟
مروان خوري أسمعنا صوته جيداً، هذه المرة ليس بأغنيّة أو جينيريك مسلسل، وإنما بكلام حق ، فالحق وحده يحررنا.
مروان خوري أثبت أنه ليس نقيب الموسيقيين المحترفين فحسب، وإنما نقيب الضمير الحرّ، وإن لم تسمعهُ دولتنا العليّة، فحتماً سوف يسمعه التاريخ.
فشكراً مروان خوري.