جبيل، مدينة الحضارة والآثار، المدينة التي حملت تاريخ لبنان، وشهدت كافة الحروب لكنها رفضت ان تنهار، مدينة أبت ان تموت فكانت منارة للفن والثقافة والجمال، احتضنت كل انسان احب الحياة وعشقها، تلك المدينة التي جاورت العالم، من تركيا واليونان، ووحدته تحت أنغام الحب والموسيقى، بروح السلام لتحل نعمة جديدة في بلادنا.
حلت السوبرانو سمر سلامة، صاحبة الصوت الناعم والرقيق، او كما أطلق عليها البعض "صاحبة الأوبرا المجنونة" ضيفة بين ربوع جبيل، هي تلك الانسانة المتواضعة التي انطلقت في رحلتها الصعبة منذ صغرها، عانت لكنها وصلت وتحدت ونجحت.
لم تكن المرة الأولى التي تتألق فيها سلامة خلال الأعوام الأخيرة، وهذه السنة هي التي قادت لواء الأوبرا خلال الحفل، فمن لبنان وطنها الأم، حملت سلامة صوتها الى العالمية، صدحت حنجرتها بأرق واروع الأنغام هي تلك المتألقة التي حلت مساء أمس الأربعاء تحمل رسالة ملؤها الحب والحنين والاشتياق لبلد لم تعهده كذلك يوماً.
قبل بداية الحفل تجمهر الناس حول باب كاتدرائية مار يوحنا مرقس ليتعرفوا على التاريخ العريق لهذه الكنيسة، التي انطلقت عام 1965 والتي حملت رسالة الانسان والسلام لمدة 250 سنة، الممثل طلال الجردي هو الذي اراد ان يكسب فخر التعريف، وفي اللحظات التي تعرف عليها الحضور كانت كفيلة باشعال نار الشوق داخلهم، ليطربوا مسامعهم باجمل الالحان التي انحفرت داخل تلك الكنيسة، فاخذت نقشا رائعا يترجم حكاياها.
ثم دخلت فرقة موسيقية الى الباحة على وقع اصوات الطبول، حيث القمر الذي يلاقي الشمس، وحيث تلتقي الموسيقى بالكلمات، هذه الكنيسة التي صمدت بوجه الغزاة، وتحدت تفتح ابوابها الآن، على وقع موسيقى خاصة، ليدخلها كل من حضر بسلام.
في الكنيسة التراثية لمدينة جبيل، بين ثنايا الحجر القديم الذي يعزف لحن الحياة، أعلنت سلامة عن بدء ساعة الفرح التي لطالما انتظرها كل من حضر، بدأ الناس بالتوافد قبل ساعة من الاحتفال من كل المناطق اللبنانية، ليتمكنوا من حجز مقعد امامي يتيح لهم ان يروا جمال الشخصية والصوت.
انطلقت فعاليات المهرجان وسط تدافع للدخول الى الكنيسة لحجز مقعد امامي بين الحضور، وعلى ضوء الشموع بدأت سمر سلامة والى جانبها فابريس دي فالكو يقدمان قسما من لوحاتهم الغنائية اقل ما يقال فيها انها اكثر من رائعة.
انتقل الحضور الى القسم الثاني من الحفل، ومن الكنيسة الى الساحة، حيث جهزت بـ stadium لتقديم عرض مسرحي، فكما هي العادة، تلك الفنانة التي توجت سابقا على مسارح لبنان، عادت اليوم لترد البعض مما قدمه لها.
لم يكن الممثل طلال الجردي لينسى دوره أيضاً فوضعا سوياً بصمة خاصة سحرت الحاضرين، حيث لعبا دور الخادمين داخل القصر، مع تقديم الوان اوبرالية ايضا، ومع مشاركة راقصين برعوا فيما قدموا.
لم تنتهِ القصة عند هذا الحد، فتلك الخادمة استخدمت زميلها (الجردي) لتلفت انتباه رئيسها، ليقع الاخير بنار الغيرة، الا انها تفشل بذلك، لكنها ترفض الاستسلام، فمن تحدت وسعت للوصول الى العالمية ليس من الصعب عليها ان نسرق قلب رئيسها، فتستخدم بعض الخدع، لتكسب قلبه في النهاية.
نبذة عن حياة سمر سلامة :
ولدت في بيروت، مكتشفة غناء الاوبرا مع تدرج الوقت، والتحقت بالكونسرفتوار الوطني اللبناني، ولكن حينذاك اعطت الافضلية لدراسة العلوم السمعية البصرية في جامعة القديس يوسف.
نقطة التحول في مسيرتها الغنائية انطلقت من سماع المايسترو الايطالي روبرتو دوسيمون لصوتها، ومن شدة ايمانه بموهبتها ضمها الى فريقه "ميديا ايتاس"، مشاركة في الغناء سنة واحدة ضمن مجموعة اوبرا بوفا دو جيوفادي سانتو.
في كانون الاول من سنة 2006 ومع انتهاء دراستها، حزمت حقائبها متوجهة الى فرنسا. وشاركت في عمل "لا مايا "مستوحيا نزوات مريان لالفرد دوموسيه، وقد تم عرضه في القصر الكبير (الغران باليه)، وشاركت في امسية عن عيد الميلاد.
خطوتها الاولى في الولايات المتحدة تحققت ليلة الثامن عشر من كانون الثاني سنة 2015 اثناء تقديمها امسية في غليسون آرت سنتر في فلوريدا، وتشغل حاليا منصب المديرة الفنية لعرض اليف في قصر مايو الفرنسي.