"لنتذكر"نعيد من خلالها نشر لقاءات ومقالات بقلم الزميلة الراحلة رنا بو رسلان شوي .
هي فاطمة إبراهيم البلتاجي إبنة الشيخ إبراهيم السيد البلتاجي من قرية "طماي الزهايرة". ولدت عام 1906 وقد أطلق عليها والدها إسم أم كلثوم أسوة باسم إحدى بنات النبي(صلعم). لأم كلثوم شقيقة إسمها رقية أكبر منها وشقيق إسمه خالد وكان مشهوراً بحلاوة صوته فكان يغني في الأعياد والمواسم وفي أغلب حفلات القرية وينشد مع أبيه القصائد والابتهالات الدينية. عندما بلغت أم كلثوم الخامسة من عمرها بدأت تحفظ القرآن مع شقيقها خالد. وتستمع إليها وهو ينشد القصائد. وفي يوم سمعها والدها تدندن بالغناء بصوت خافت فاعجب بصوتها وشجعها.
غنت الطفلة لأول مرة في حفلة مع والدها بأجر قدره (طبق مهلبية) تشجيعاً لها، ثم أحيت حفلة حتى الصباح في أحد بيوت قريتها كان أجرها 10 قروش. وبدأت رحلة الألف ميل في شارع النغم بعدما إنتشر إسمها في القرية ومن ثم الى القاهرة حيث إستقرت هناك إبتداءً من عام 1923. ويقترن ذلك العام بذكرى حزينة في نفس أم كلثوم إذ كانت تتمنى أن ترى الشيخ سيد درويش الذي طالما سمعت عنه وأعجبت بألحانه وأغانيه ولكنها وصلت الى القاهرة في نفس اليوم الذي جاء فيه نبأ وفاته في الاسكندرية. وفي العام نفسه إلتقت أم كلثوم بالموسيقار محمد عبد الوهاب بحفلة أقيمت في بيت والد الدكتور أبو بكر خيرت وكان عبد الوهاب عمره وقتها 16 سنة فاشترك وثومة في أداء أغنية للشيخ درويش هي "على قد الليل ما يطول" وبعد هذا اللقاء بدأ يزورها ولكن علاقتهما إنقطعت بعد إنضمام عبد الوهاب الى فرقة منيرة المهدية للعمل معها في رواية كليوبترا. وبدأت المنافسة بينها وبينه، الى حين ما لحن لها أغنية "إنت عمري" التي أعادت العمل بينهما. وأغنية "إنت عمري" هي أول أغنية وهابية - كلثومية أدخلت الغيتار الى التخت الشرقي من خلال أنامل العازف عمر خورشيد.
عاصرت أم كلثوم المطربات المشهورات ولكنها اتخذت لنفسها نهجاً جديداً في الغناء فبدأت تغني الأغاني الصوفية الفياضة بالروحانية والايمان.
إلتقت أم كلثوم بملحن شاب كان يعمل كطبيب أسنان إسمه أحمد صبري الذي لحن لها مجموعة من الأغاني بلغت الثلاثين، بالاضافة الى مجموعة من الطقاطيق والموشحات. وبعد مضي أشهر بدأت تغني والعود في يدها ولم تكد تفعل ذلك حتى تخلت عن جوقتها ثم أخيراً تخلت عن العزف على العود أثناء غنائها وبدأت تحيي الحفلات وهي تغني واقفة وبيدها المنديل
وفي صالة "سانتي" عام 1924 إستمع إليها شاعر الهوى والشباب أحمد صبري فأعجب بها جداً. وأول طقطوقة (أغنية خفيفة) نظمها رامي ولحنها أحمد صبري وغنتها أم كلثوم كانت "خايف يكون حبك ليه" وهي الطقطوقة التي إستهلت بها موسمها الغنائي عام 1925.
وفي عام 1926 طرأ على حياة أم كلثوم شيء من التطور فخلعت البالطو والكوفية والعقال وغيّرت زيها بأزياء جديدة وتختاً جديداً من العازفين.
وكانت أغنية الموسم التي أحدثت إنقلاباً في عالم المنولوج هي أغنية "إن كنت أسامح" من تلحين محمد القصبجي وتأليف أحمد رامي.
طارت شهرة أم كلثوم في أرجاء مصر وبدأ أقدر الملحنين والمؤلفين يقدمون لها الأغاني والقصائد والموشحات والأدوار، وفي طليعتهم الشيخ زكريا أحمد.
في عام 1935 غّنت (على بلد المحبوب وديني) من ألحان الملحن الشاب رياض السنباطي، وقد ظل السنباطي يلحن لأم كلثوم ما يقرب من 40 عاما، ويكاد يكون هو ملحنها الوحيد في فترة الخمسينات.
وفي عام 1936 جاء دور السينما، بدأت تقف أم كلثوم لأول مرة أمام الكاميرا لتسجل فيلمها الأول "وداد". قدمت العديد من الأفلام ولكنها قررت اعتزال التمثيل بسبب إصابتها بمرض في عينها، وكان ذلك عام 1948. والنظارة السوداء التي كانت ترتديها بشكل مستمر كانت بسبب مرض الغدة الدرقية الذي أدى إلى جحوظ عينيها.
في عام 1951 غنت (مصر تتحدث عن نفسها)، ليأتي بعدها بعام واحد ثورة يوليو ويصدر قرار عسكري بمنع أم كلثوم من الغناء... وصل الموضوع إلى جمال عبد الناصر شخصيا، الذي ألغى هذا القرار.
عام 1954 تزوجت أم كلثوم من حسن السيد الحفناوي أحد أطبائها الذين تولوا علاجها واستمر الزواج حتى وفاتها.
آخر أغنية غنّتها أم كلثوم كانت " أوقاتى بتحلو معاك....و حياتي بتكمل برضاك" وأثناء البروفات للأغنية وقعت صريعة لمرض التهاب الكلى. سافرت إلى لندن للعلاج وكانت قبل سفرها قد طلبت من الشاعر صالح جودت أن يكتب أغنية بمناسبة نصر أكتوبر وبعد عودتها طلبت من الملحن رياض السنباطي تلحينها حتى تغنيها في عيد النصر لكنها توفيت قبل أن تؤديها وكانت الأغنية مطلعها (ياللى شبابك في جنود الله.... والحرب في قلوبهم صيام وصلاة).
عام 1975 توقف قلب كوكب الشرق أم كلثوم، وتوقف معه النغم العربي الأصيل بعد نصف قرن من الزمن الغنائي الجميل. في إحدى مستشفيات لندن حيث كانت تخضع لعلاج بإشراف أشهر أطباء بريطانيا ولم ينفع الدواء ولم ينفع معه عبقريات الطب العالميين الذين تولوا العلاج الذي دام زهاء ثمانية شهور.
يوم أعلنت الصحف البريطانية نبأ الوفاة، إهتزت أسلاك الهاتف في العالم العربي والأوروبي ويكاد نبأ الوفاة لم يصدق إلاّ يوم أعلن وزير الثقافة المصري صفوت الشريف النبأ، وإهتز له الشارع المصري ومن ثم العالم العربي تجاه هذه الصدمة الدراماتيكية، وحزنت مصر وحزن معها ملايين الملايين من عشاق ست الكل الذين غنّت لهم "سيرة الحب" "وإنت عمري" " هذه ليلتي" "رباعيات الخيام" وغيرها من الأغاني الكلثومية التي أطربت العرب والأجانب. وبرحيلها تكون مصر قد فقدت هرمها الرابع .