تألقت بين التأليف الموسيقي والغناء وتقنية الصوت وصولاً إلى الأوبرا العربية تأليفاً وأداءً ، تميزت بالعمل الأكاديمي وعملت على تأسيس الأوركسترات الوطنية والمساهمة في إنشاء مؤسسات ثقافية بشكل عام ومؤسسات تعنى بالموسيقى الكلاسيكية .
سافرت وحملت موسيقاها ذات الأبعاد العربية وحملت الحرف العربي على جناح الأوبرا إلى العالم حيث عزفت أعمالها الموسيقية أهم أوركسترات العالم ، كما وأنشأت مؤسسة إهتمت بأعمالها وقامت بتنفيذ الكثير من إنتاجاتها الموسيقية الضخمة .
إنها الرائدة المبدعة هبة القواس والتي كرّمها النادي الثقافي العربي بمناسبة يوم المرأة العالمي ، أدار اللقاء الزميل ميشال معيكي بكلماته المتميزة ، وكانت مشاركة من الزميل أحمد علي الزين الذي أمتعنا بمقتطفات من برامجه "روافد" ، والذي يعرض عبر قناة "العربية"، حيث حلت القواس ضيفة على إحدى الحلقات ، وفي ختام الحفل قدم رئيس النادي سميح البابا درعاً تكريمياً للقواس .
ميشال معيكي : تحية للنادي الثقافي العربي هذا الفضاء ، هذا المناخ ، هذا الفعل في مسار الثقافة اللبنانية منذ عقود وهذا النادي دائب "على النضال" لنشر المعارف وأخص تقليد معرض الكتاب .
نتحلّق حول قامة جميلة ، وصوت وحضور وألق ، هبة القواس تسللت إلى الذاكرة الصوتية الجماعية بتواطؤ عفريت ذكي غوائي ممتع..، هبة الصوت ، التأليف الموسيقي ، الموهبة ، التخصص ، الثقافة الفنية ، الحضور العنيد ، ثم مدارات عوالم الأوبرا..".
أحمد علي الزين : الأستاذ وليد غلمية يقول "اللبنانيون يفتخرون بأن كل واحد ببيته هناك قطعة سلاح أو أكثر ، يا ريت يفتخرون إذا كل واحد ببيته يجلب كمان أو ناي كان العالم أكيد أجمل" ، وطبعاً أحلام وليد وكل الناس أمثاله تحققت بأمثال هبة الحبيبة الصديقة الغالية .
أترك لنفسي التحية الصغيرة من لقائي بهبة بـ"روافد" حيث حاولت أن أقدم ملمحاً من ملامح هذه السيدة القامة الابداعية الجميلة .
هبة القواس : الموسيقى هي ذاك الصوت لخلقٍ تجلى، ترددات مسافرة في رحلة شوق وخلق بأكوان وآفاق، كانعكاس من انعكاسات صوت الله، الموسيقى هي السلام في أقصى درجاته، أنا والموسيقى رحلة لا متناهية من النعم والحريق، نِعم أسرار كونية واحتراق في السبيل إليها هي هبته إلي وفيّ، تكاد أن تكون ممنوحة أو مجانية لكن تفاجئك بكم هي متطلبة متملكة لا تستجيب إلا بالفناء بها وإذ هي تمنحك الأسرار إذا ما لامست لانهائيتُها روحك، ألم نبدأ بذاك الصمت الإلهي الكبير، الموسيقى هي بداية كل شيء، ذاك الصوت، ذاك الانفجار الكبير، تلك التموجات لي كن، ألم يبدأ طريقنا إلى أنفسنا طريقنا إلى المعرفة بتلك الترددات اللانهائية، على خطى مزامير داود، أبواق السماوات تهاليل الملائكة، تسابيح الأولياء والقديسين وحي الأوائل والآلهات وعلى خطى أصوات التكوين تسافر الموسيقى اليوم بين المد والجزر على غرار أصوات نفير الشرير التي ألهت الناس وأغرتهم قاطعة عليهم الطريق لتحول دون وصولهم للاستماع إلى موسيقى داود، نعيش اليوم عصر التلوث السمعي بكل ما من حولنا من أصوات تخترق أجهزة جسدنا وتنتحل مرة أخرى صفة الموسيقى...
هل نحن نعيش أخطر الأزمنة فالصوت وكل ما يتردد عنه بإمكانه أن يكون نوراً أو ناراً، لذاك الصوت المسافر أبداً منذ البدء خلقت أكوان لا نعرفها وما يزال ذاك الصوت مسافراً في رحلة الخلق الأبدية، فأي صوت نطلق بدورنا نحن الموسيقيون وأي وصل نستلهم منه علّ أصواتنا المسافرة لا تكون إلا ذرات متناثرة من الذهب والنور، هي رحلة النور في الصوت هي الموسيقى لم أكن أعرف حين بدأت سفري فيها أن احتراقي سيكون شديداً لا محالة وأن النور أشد إحراقا، لم أكن أعرف أن ذاك الوله المتملك هو طريقي إلي، لم أكن أعرف أني حين أبدأ رحلتي في إيجاد أصوات موسيقية جديدة ونمط غنائي جديد في عالمنا العربي أنها ستكون بداية لرحلة فردية في حفر الصخر من ناحية وردم الهوة من ناحية أخرى، لم أكن أعرف في البداية أني ولدت في عصر الانهيارات السمعية والفكرية وأن عليّ أن أصارع الريح لأمتطيها، لم أكن أعرف أني ولدت في عالم يفتقد لأي بنى تحتية للنمط الموسيقي الذي اخترته وأن علي حين أقدم أسلوباً موسيقياً جديداً أن أبني معه كل مقومات واحتياجات تقديمه وإيصاله.
من هنا عملت على أكثر من صعيد وذهبت مع الموسيقى في أكثر من اتجاه .
أولاً : التأليف الموسيقي، وهنا تعددت لدي الأساليب والأنماط التأليفية فمن الأعمال السمفونية إلى الكتابة الأوركسترالية إلى الوتريات إلى تأليف الانسمبلات المتنوعة إلى موسيقى الحجرة إلى الكتابة للآلة وبالطبع كانت لكتابتي للصوت والأوركسترا حصة كبيرة من أعمالي الموسيقية حيث تنوعت وتعددت فمن الصوت والأوركسترا والكورال إلى الصوت والأوركسترا السمفونية إلى الصوت والأوركسترا الصغيرة إلى الصوت والبيانو ومن الكانتاتا والآريا والليدر إلى الأغنية وصولاً إلى العمل الموسيقي الغنائي الممسرح الراقص ومن الكتابة بنمط التأليف المعاصر إلى ما بعد الحديث (فوس مودرن) والبناء الموسيقي الذي يرتكز على الموسيقى العربية الشرقية المتوسطية بكل مكوناتها الإيقاعية الظاهرة والمكنونة وإيجاد الحلول للكتابة والتوزيع بناء على ذلك.
ثانياً :الغناء وتقنية الصوت وصولاً إلى الأوبرا العربية تأليفاً وأداء ولتحقيق ذلك عملت على مستويات عديدة :
تقنية الصوت والوضعية الصوتية وهنا كان هناك عمل كثير ضمن مراحل كبيرة من حياتي ويمكن من طفولتي وأقول أنني أنا هذه السنة بمكان مختلف عن السنة الماضية وبالتأكيد السنة المقبلة ستكون مختلفة ولكن ليس هيناً أن ألاقي تقنية الصوت التي تقدر أن تحمل بوضعية صوتية تتناسب مع الحرف العربي التي مخارجه تخرج من الحنجرة في الكثير من الأوقات بثقلها السيدة سلوى السنيورة بعاصيري، فالحرف العربي "ع" أو "ح" بطبيعة الحال إصداره سيكون من منطقة منخفضة والتقنية أن تحمل في البداية ان يصدر من تجاويف الخد ويذهب صعوداً مع احتضان الديافراغم الذي يضغط كي تصدر الذبذبات من الخدود إلى الجبهة ومنها إلى الرأس وأماكن أخرى، فكيف نستطيع أن نطلق الحرف العربي نقوم "بروجكشن" على الحرف العربي من دون أن نصيب الحنجرة ونكسر الصوت معه وفي الوقت نفسه كيف نقدم الحرف العربي بالوضعية التي تحرر الصوت من دون أن ينكسر الحرف العربي، فهذا كان صراعاً لوقت طويل أنا حالياً في أوقات كثيرة أسمع نفسي من عشر سنوات وأرى الأمكنة التي كانت مضعضعة وتطلب تغييراً.
الحرف العربي بخصوصيته يفرض على التأليف الموسيقي كي نصل إلى الأوبرا العربية للزوم اللحن للزوم الحرف العربي وتقطيعه..التي تفرض هذا الحرف إيقاعات مختلفة ضمن البناء التأليفي الموسيقي ولاحقاً التأليف الموسيقي الأركسترالي التي سننطلق منها.
كيف استطعت أن أوسع المكان كي أقدر أن أقدم هذه الأفكار من الموسيقى ومن صغري لم يكن هناك بنى تحتية بينما في أوروبا هناك أماكن مخصصة للمغنين والموسيقيين.
ثالثاً العمل الأكاديمي: بين تعريف الكونسرفاتوار والإشراف على دور معلمي الموسيقى إلى إيجاد وكتابة مناهج التعليم الموسيقي في المدارس إلى العمل مع مركز تربوي وغير ذلك من مؤسسات أكاديمية.
رابعاً : العمل على تأسيس الأوركسترات الوطنية مع الدكتور وليد غلمية من خلال الكونسرفتوار ما ساهم في خلق تيارات موسيقية ثقافية وفتح آفاق سمعية لدى المتلقي اللبناني
خامساً: المساهمة في إنشاء مؤسسات ثقافية بشكل عام ومؤسسات تعنى بالموسيقى الكلاسيكية بشكل خاص وذلك على المستوى عربي وفي أكثر من بلد عربي إضافة إلى التعاون مع العديد من وزارات الثقافة ودور الأوبرا ما أدى إلى إنشاء شبكة من المؤسسات والمهرجانات التي إستقطبت إلى وطننا العربي أهم الأعمال الموسيقية في العالم فساهمت بذلك في انفتاح المستمع العربي على العديد من التيارات الموسيقية والغنائية في العالم وتعريض سمعه إلى ما كان يعتبر هجيناً..
سادساً: سفري حول العالم وحمل موسيقاي ذات الأبعاد العربية وحمل الحرف العربي على جناح الأوبرا إلى العالم حيث عزفت أعمالي الموسيقية أهمُ أوركسترات العالم وفي مختلف الصروح الموسيقية فمن أوركسترا الرويال كونشيرتو باو إلى اوركسترا بولشوي إلى أوركسترا لندن إلى أوركسترات ترانسلفانيا وبراغ وروما وأوكرانيا..والقاهرة وغيرها وصولاً إلى الأوركسترا الفلهارمونية اللبنانية الحبيبة ومن دار الأوبرا الوطنية الفرنسية الباستي إلى الميوزيك باو إلى الكونشيرتو باو...إلى الأونيسكو باريس إلى دار الأوبرا السلطانية مسقط إلى دار أوبرا القاهرة ومهرجانات عديدة وصولاً إلى لبنان حيث الحاجة الماسة لإنشاء صروح موسيقية ثقافية لم تكن موجودة أصلاً نحن الذين كنا مكتبة الشرق ومحركي الشرق ومحفزي العالم العربي على الإبداع والفكر أصبحنا صرحاً مدوياً للسيليكون والتصنع عوضاً عن صنع التاريخ بكافة أشكاله.
حلمي بأن أقف يوماً على خشبة صرح موسيقي كبير نساهم في إنشائه وتحقيقه في لبنان .
سابعاً :إنشائي لمؤسسة اهتمت بأعمالي وقامت بتنفيذ الكثير من إنتاجاتي الموسيقية الضخمة وقد قمت بذلك لأني حين بدأت بعملي لم يكن هناك أي مؤسسة تعنى بإنتاج الموسيقى ذات الأبعاد الأوركسترالية والأوبرالية، ولديها المعرفة بإدارته في عالمنا فكان علي أن أصل إلى تنفيذ هذه الأعمال على المستوى العالمي المتعارف عليه.
قد ساهمت مؤسستي بالكثير من الاستشارات على تطوير الفعل الثقافي بشكل عام والموسيقي بشكل خاص للعديد من الدول العربية والآن نحن في طور انتظار المواهب في العالم العربي وإنشاء أكاديمية تعمل على تدريب تقنيات تلك المواهب وتطوير علمي موسيقي وكذلك على تعليم تقنية الأوبرا العربية للأصوات القادرة على تأديتها كي تنتقل معنا بدورها إلى طور تقديمها على المسرح وقد استقطبت هذه الفكرة دولاً عديدة فأكون بذلك قد عبّدت الطريق لمن يأتي بعدي وأنا ممن يؤمن بنقل الخبرات لتتطور مع العديد من الموسيقيين القادمين.
من خلال كل ذلك ومع تضافر جهود العديد من الجهات الثقافية في لبنان والعالم العربي في وجود المهرجانات المتخصصة بالموسيقى الجادة نستطيع أن نقول إننا دخلنا إلى مرحلة جديدة لصالح انتشار أنماط موسيقية لم يكن لها حضور كبير في عالمنا وكان عليّ العمل لتحضير هذه الأرضية كي أستطيع أن أخترق بما جئت به من حالة موسيقية جديدة وعلى مستوى آخر المساهمة في إيجاد البنى التحتية لاستقبال الأنماط الموسيقية الكبيرة من العالم في أماكن أوسع مما كانت عليه فلربما كان وجودها محصوراً في السابق في مصر وبجزء منه في العراق وأماكن قليلة أخرى.
هكذا سافرتُ في الموسيقى وسافرَت فيَّ حتى ما عدتُ أعلم إن كنت أنا المؤلِف أو المؤلَف من خلاله، هي رحلة كائنات صوتية في جرمي ورحلتي نحو اللامكان في الصوت ونحو الزمن في الموسيقى حيث لا يوجد هذا الزمن إلا بحسب امتداد الصوت أو صمته الجزئي، سحرتني الأصوات منذ طفولتي وشاءت الحكمة أن أطلق الأصوات التي تجتاحني حيث أن في التأليف سكناً وفي الغناء إنعتاقاً وفي الموسيقى نفساً مطمئنة.
موقع "الفن" كان حاضراً وإلتقى القواس قبيل بدء حفل التكريم .
ما الذي يميز تكريمك اليوم عن سائر التكريمات التي نلتها ؟
بيروت ، عراقة النادي الثقافي العربي مع تاريخه ، مع كل الأسماء التي مرت فيه ، مهما سافرت ونلت تكريمات من خارج بلدك ولا مرة تكون مثل هنا ، نحن بالحمرا ، من بيروت بكل ما تحمله من ذاكرة وتاريخ ، من رؤساء عبروا ، من شخصيات كرّمت فيها ، يعني لي الكتاب بمعرض الكتاب والذي يقيمونه كل عام ، وعلى المستوى العاطفي يعني لي الكثير ، وشرف كبير أن أكون اليوم بهذا الصرح العريق بتاريخه .
ماذا تقولين للمرأة ؟
المرأة هي الكائن الوالد للكل ، يعني هي الحياة ، فعندما تكون هي الحياة أصبح لديها كل المقومات التي تكون موجودة فيها بالعالم ، يعني هي التي توجد الشيء ، فماذا نقول للذي يوجد الشيء وما من شيء يحده أو يوقفه ، هناك ظروف والفترات الزمنية تتغير ، أما قدراتها وطاقتها فلا تتوقف ، يكفي أنها تكون الأم لتكون هي الحياة .
لمشاهدة ألبوم الصور كاملاً إضغط هنا .