يعود رفيق علي أحمد الممثل اللبناني الفذ الى ملعبه بعد غياب سنوات عبر المسرحية المونودرامية "وحشة"، وكان آخر لقاء له مع جمهور مسرح الحكواتي الذي برع فيه ،لا بل وتفرد به فقدم في العام 2009 آخر اعماله المسرحية "جرصة".

ظروف البلد التعيسة نفسها هي التي جعلته يبتعد عن المسرح ويستعيض عنه ببضع اطلالات تلفزيونية ذكية عبر ادوار قدمها باحترافه المعهود، هي نفسها التي اعادته اليوم الى خشبة مسرح مونو ليقدم "وحشة"، ربما المسرح "وحشه" فعاد، ربما الوضع الجميل الذي كان يخيم على لبنان "وحشه" فقرر العودة ليضع اصبعه على الجرح وبقوة، "وَحشة" تنتمي إلى الكوميديا السوداء التي يجيدها رفيق علي أحمد ويبرع فيها ويحكي فيها ما لا يجرؤ على قوله احد.


دقة في التعبير، حدة في الكلام، حضور ملفت ولافت، وقصص يعالجها رفيق على احمد تحاكي كل الناس، ويجول فيها على الامور المعاصرة والقديمة، الخيانة، مواقع التواصل الاجتماعي، موت الانسانية، حكومات فاسدة، سياسيين متآمرين، كلهم موجودون على الخشبة، ومن شدة ذكاء رفيق علي احمد فهو وبدل ان يبكينا على واقعنا يجعلنا "نفقع من الضحك" ولكن على من؟
اسلوبه في وحشة مباشر، كيف لا وهو يبرز لنا كيف اننا نسير خلف غرائزنا وفي كل ميادين الحياة، ولعل "عفاف" التي كانت حاضرة بقوة خير مثال على احوالنا إذ وصل الى قمة جرأته عندما وصف الحكومة بـ"عفاف".
رفيق علي احمد او أبو ميشال وكما يقول في كتيب المسرحية :"مش مهم شو ما كان اسمي، محمد ، جورج، سمعان، علي أو عثمان"، هو انسان ضاقت به الحياة، قهره واقع العيش، هاجر أولاده قسراً، ومما زاد بالطين بلّة خيانة زوجته وظلمها، فاضت به أحزانه، انزوى في شارع من شوارع المدينة وأغمض عينيّه عن كل ما حوله، فانفتحت عين ثالثة في عقله وقلبه، راقب من خلالها الناس، فحكى سيرته وحال هذا البلد".

ابو ميشال وهر الحي وعفاف، ثلاثة عناصر ترافقنا طيلة عرض مسرحية "وحشة" التي يعلو فيها المشهد الدرامي رويداً رويداً، اشتغلها رفيق بتأنٍ واحضر ادواته جميعها معه ليشكل معها فريق عمل متجانس استطاع من خلالها ايصال مجموعة افكار بدءاً بآدم وحواء وقصة التفاحة من صادوم وعامور مروراً بيوحنا المعمدان وسالومي، وصولا الى قصة النبي يوسف، وريتشارد غير، مروراً بزوجته عفاف، فتغيرت حاله مع تغير ملامح مدينته التي تحولت الى شبابيك معتمة وعمارات شاهقة، ابوابها مقفلة، وتخلى اولاده عنه وهو الذي يفتش عن رائحتهم في برميل النفايات فيشمها عبر بقايا عطر عالق في كعب قارورة العطر،
رفيق علي احمد استوحى مسرحيته من حياتنا اليومية ومن كثير من القصص التي نراها ولا نراها، نشعر بها ولا نشعر بخطورتها ، حتى الواتس اب اخذ حصته في المسرحية.

رفيق علي احمد كان بطلاً نجح كالعادة في تجاوز خوفه عندما سمىّ الاشياء باسمها وتحدث عن المربعات الامنية والسياسية موضحاً وليس ملمحاً للعديد من الامور والمواقف، السكير ابو ميشال او رفيق علي احمد لم يوفر رجال الدين ولا الدولة، فوصف الحكومة بالعاهرة ورجال الدين بالسارقين.

رفيق كان خفيف الظل سريع الحركة ينتقل من فكرة الى أخرى بتلقائية وسهولة ومرونة مستخدماً لوحات ورسومات وشخصيات وتماثيل لاعبها بخفة وحب وتنقل بسخرية من قصة موروثة من الحقبة القديمة الى واقع اكثر الماً نعيشه اليوم، فبين التمثيل والغناء الاكابيلا وبين الضحك والبكاء والحزن والفرح والالم مشاهد تختصر الكثير وتختزل الكثير، وبين الغام وحشته يتنقل بنا رفيق علي احمد وبنجاح في مسرحية "وحشة" الذي يقدمها كل خميس، جمعة، سبت، واحد، على مسرح مونو من 15 كانون الثاني ولغاية 8 شباط 2015 ومن دون تمديد كما يؤكد.
ولرفيق علي احمد معجبون يتخطون الجمهور العادي فغص المسرح يوم الافتتاح بمحبيه من اهل الفن والاعلام والصحافة ليشهدوا معه على ولادة "وحشة" هذه المسرحية التي تحمل خبريات وحكايات وقصص وتساؤلات يقودها رجل واحد هو ابو ميشال او محمد ،اوجورج، او سمعان، اوعلي، أو عثمان، او رفيق علي احمد ،لا فرق.


لمشاهدة ألبوم الصور ، اضغطهنا.