شارك في أهم الأعمال الدرامية التلفزيونية التاريخية والسينمائية والمسرحية ، ورغم كل تميّزه ونجاحاته في كل الأدوار التي أدّاها ، إلا أنه يبقى راسخاً في أذهان الجميع بإسم "كوكو"، وهو الدور الشهير الذي قدّمه لسنوات في مسلسل "الدنيا هيك".
إنه الممثل القدير يوسف فخري ، الذي حلّ ضيفاً عزيزاً على صفحات "النشرة"، في لقاء صريح إلى أقصى حدود ، كشف خلاله ولأول مرة ، عن تفاصيل كثيرة ومثيرة .
ما الذي أخذك إلى التمثيل ؟
التمثيل شيء يبقى بالروح ، كنت صغيراً حين كانوا يأخذوننا إلى السينما لنرى الأفلام وتأثرت بلوريل وهاردي وشارلي شابلن "هول عظيمين" ، بعدها صارت تتكون لدي موهبة التمثيل إلى جانب الأدب ، تركت المدرسة حين لم أكن أعرف كتابة إسمي ، وصرت أطالع وأجري إملاء ، وقرأت جبران حين كنت لا أزال بمقتبل العمر وتأثرت به ولعبت شخصيته ، وكان عمري حوالى 13 سنة عندما راسلت الأديب ميخائيل نعيمة ولدي سبع رسائل منه ، ونشروا لي كتاباتي ومنذ مدة نشروا لي في جريدة "الأنوار" ، ولدي كتاب مخطوط إسمه "من الأعماق" وهو عبارة عن جمل صغيرة بحيث الجملة لا تتجاوز السطرين ويختصر لك مسافات كبيرة من خلال تجاربي.
إشتغلت بأول عمري في مكتب لتخليص المعاملات في مرفأ بيروت وهنا صرت أطالع مجلات فنية مثل "الكواكب" و"الإثنين" حين كان عمر الشريف وفاتن حمامة بأول نضوجهما الفني ، ومنذ مدة جلّدت "الكواكب" ، وصار ميلي إلى التمثيل يكبر وصرت أطّلع على سيَر بعض الممثلين وتأثرت كثيراً بمذكرات شارلي شابلن فبالإضافة إلى أنه فنان عظيم لو إحترف الكتابة ربما كان له قيمة .
ما كانت أول الأعمال التمثيلية التي شاركت فيها ؟
حين كنت أعمل في مكتب تخليص المعاملات في المرفأ كان هناك شخص إسمه فريد مدوّر كان مربياً وأستاذاً ولديه فرقة قدّموا رواية "شعلة من الصحراء" في قاعة الوست هول بالجامعة الأميركية فطلبوني لدور فيها ، وبقينا نجري البروفات لحوالى أربعة شهور ولكنها عرضت فقط لثلاثة أيام "ببلاش نحط اجرة الطرقات منها" ، وبعدها عملنا مسرحية بالتياترو الكبير وأخرى بالكريستال .
كيف دخلت إلى الإذاعة اللبنانية ؟
بالعام 1958 ذهبت إلى الإذاعة اللبنانية وكان هناك أساتذة منهم عبد المجيد أبو لبن كان إذاعيا ذا قيمة وكان لديه "شعطة العبقرية شعطة الجنون" ، وخضعت لإمتحان وكانت لغتي العربية ضعيفة "حسّيت إنو الميزان رح يهبط لأنو كان في معي ناس لغتهم أقوى مني"، بعدها ألهمني الله فطلبت منهم أن ألقي قطعة ، فأنا كنت تعلمت بالكونسرفاتوار حين أنشؤوا فرعاً لدراسة الإلقاء وكان معنا الزميلة سونيا بيروتي والأستاذ عماد فريد ، قلت "المليك السجين" لجبران وقبلوني و"هيداك اللي لغتو أقوى مني بمية مرة ما مشي حالو فهيدا القدر"، أنا أؤمن بالقدر كثيراً .
وكيف عاملوك بالإذاعة ؟
كان هناك جماعة مسيطرة على البرامج التمثيلية بالإذاعة وكانت مؤلفة من الياس رزق ، عوني المصري ، عبد الكريم عمر ، أحمد بديعة ، محمد الكبي ، إيلي ضاهر ، بنات الملوحي وليلى كرم ، فلا يواقفهم أن يأتي أحد جديد ، وكانت حينها أحداث العام 1958 و"كانت البلد طالعة من حروب ومآسٍ صار بدن يعملوا برامج يقرّبوا القلوب لبعضها ، وهيدي القلوب متى ما إنكسرت متل القزاز ما بتعود تنجبر وما أصعب إنو جرح يختم على زَغَل يعني على ميكروب ما يكون شافي منيح" ، كنت بأول عمري وروحي مشبعة بروح نعيمة وجبران "فتعتّرت كان عندي إمي وبيّ كانوا كبار بدّي عيلُن وأخت ما تجوّزت" ، فأصبحوا يطلبوني للبرامج الإذاعية مرة بالأسبوع لأقول جملة وبعدها أصبحوا يطلبوني لبرنامجين أو ثلاثة بالشهر "وإذا جابوني جملة أو جملتين"، بعدها قرروا "إنو هيدا ما بيصلَح يروح يلاقيلو شغلة تانية كان بعدو صوتي رفيع".
ماذا عن النقلة النوعية إلى تلفزيون لبنان ؟
حين كنت في الإذاعة تعرفت على أبو ملحم ، وعندما إنتقل أبو ملحم للبرامج التلفزيونية كان يريد أحداً ليقوم بدور إبنه ملحم فأحضر إيلي ضاهر وبعده عماد فريد ، ولكنه كان يريد ولداً بمقتبل العمر "لاقاني شحمة ع فطيرة" ، حينها طبعاً كان هناك جهاز تلفزيون واحد لكل حيّين أو ثلاثة أحياء فيتجمع الناس ويشاهدون الحلقة ويستمرون بالحديث عنها شهرين أو ثلاثة خصوصاً إذا كانت مميزة ، وأصبح لدي جمهور يحبني لدرجة أنهم ظنوا أني حقيقة إبن أبو ملحم ، وبعدها "صار يجيبني شخصيات كركتيرات" وإستمرينا على هذا الحال عدة سنوات ، إلى أن أنتجوا "حكمت المحكمة" وتأسس قنال 11 والإذاعات والإتحاد الفني فصرت أتنقل هنا وهناك و"مشي الحال".
أخبرنا عن أحد المواقف الطريفةالتي حصلت معك أيام التمثيل المباشر على الهواء ؟
في إحدى المرات كنا نصوّر بالقنال 11 وكان مدير المسرح ألبير كيلو وكان البرنامج لرشيد علامة وكانت زوجته تمثّل معنا ومجموعة كبيرة ، وكان على الهواء مباشرة وبالفصحى ، وكان هناك مشهد طويل وكنت لا زلت شاباً فرحت بالدور ، فظننت أنهم سيقدمون إعلاناً وبعده مباشرة أدخل في المشهد الثاني ، وما حصل هو "ما حطوا دعاية ، بيجي ألبير بيدفشني ، كيف بدّي فوت ما عم بقشع ، والمشهد متوقّف على فوتتي حتى يعملوا الحوار ، بعدين إجا كاميرامان فوّتني ، فتنا هوليك كان فات الوقت الكاميرا عليهم جامدة ما بقى يجيبوني بكل عمرن".
قدّمت الكثير من الأعمال الدرامية التاريخية والكوميدية والسينمائية والمسرحية، لكن دور "كوكو" يبقى أشهر أدوارك على الإطلاق ، كيف إستطعت أن تجسّد هذا الدور الصعب ؟
الكاتب محمد شامل كان يقدم عبر التلفزيون برنامج "يا مدير" في الوقت الذي كنت فيه أمثّل مع أبي ملحم ، "محمد شامل عمل إيكيب كان لازق فيه إبراهيم مرعشلي فكان يجيبو وكان يبعتو يوزّع الأدوار ، صار يجيبني جمعة إي جمعة لا أدوار ثانوية" ، إلى أن "عمل دور صعب واحد مُتقَعقِر بيحكي فصحى جابني وكان مع شوشو عملت مشهد صغير ما في غيرو كتير نجح".
وعندماأراد شامل أن يقدّم "الدنيا هيك" كتب فيه دور "كوكو" لزكريا مكوك، الذي كان يمثل في مسرح شوشو و"يعمل أدوار شخص مايع شوي"، سافر زكريا فوقع شامل بمشكلة لأن هذه أدوار صعبة "في فرق شَعرة بين إنك تكون مثلي الجنس أو دمّك تقيل أو مهضوم".
فبعد أن رآني الممثل شفيق حسن "الدروندي" بالإذاعة ، قال لي "لماذا لا تلعب أنت دور كوكو؟" ، فأجبته بأن ما من أحد عرض عليي ذلك ، فأنا كنت بينهم ولا أزال غريباً من عالم ثانٍ ، فقال لي حسن إنه سيقول لشامل كي يحضرني للدور .
وماذا حصل بعدها ؟
أرسل لي محمد شامل الدور وكتب لي "أوعى ودخيلك" ، وعندما قرأت الدور "قلت بلبُس بيروك وبدخّل كلمات فرنساوي"، وقدّمنا أول حلقة حين كان بالأبيض والأسود ، وإنبهر الناس وقال لي شامل "عامل ضجّة بالبلد"، وبعدها أصبح إبنه يوسف شامل صديقي يقدّم دور "علّوش" ، وصار شامل "يجيبني بحلقة يغيّبني تلات حلقات وأنا محسوب عـ"الدنيا هيك" ما حدا يجيبني"، وفي أحد الأيام أرسلوا لي نص حلقة في اليوم الذي يريدون فيه أن يصوّروها فقلت لهم "ما بدّي روح وإنفجرت بالتلفزيون لأن وقت كتير بتضايق بشعط بالحق".
وكيف عادت المياه إلى مجاريها ؟
ذهبت إلى التلفزيون وقلت لشامل "يا بتجيبني بكل حلقة أو ما بقى بدي إشتغل" وذلك بعد أن تركت أثراً كبيراً بـ"الدنيا هيك" ، فقال لي إبنه يوسف "طوّل بالك" ، وبعدها أصبح شامل يطلبني في كل حلقة .
يبدو أنك عانيت كثيراً في عملك ، فبعد أن تعرّضت للإضطهاد في الإذاعة يبدو أنك حوربت في "الدنيا هيك" رغم نجاحك فيه.
عانيت كثيراً ، لا أعرف "أو مستضعفيني ، كانوا يركضوا وراء شامل إيكيب طويل عريض ، مين مستضعفينوا أضعف واحد يشيلوه تينفّعوا غيرو" ، لكن في إحدى المرات كنا نصوّر في القنال 11 وكان أصبح لدي جمهور رهيب ، صرخ المخرج أنطوان ريمي بأعلى صوته وقال لشامل "يوسف فخري عيّشلك البرنامج".
كيف أثّر عليك دور "كوكو" سلباً وإيجاباً ، وهل فعلاً أصبحت حينها تتّهم بأنك مثلي الجنس ؟
"صاروا يقولوا إنو الأولاد عم يتقلّدونا وعم يِنتزعوا" ، ولكنيلم أقدّم الدور على أنه مثلي الجنس لأنه زوّجَني وأنجبت أولاداً "كان عاملو دون جوان ، يمكن كان فيه نتفة مياعة بالـAccent بالصوت بس كنت أطلع جسم رياضي ومشية ، ولذلك كانت هناك الكثير من البنات والسيدات يُغرمن بي ويسألن بلبل عنّي ، ولكن ما أثّر سلباً هو "إنو ما بقى حدا يعرفني ، قول يوسف فخري ما حدا بيعرفو ، قول كوكو معروف متل نُص مشلك".
وهل زعلت لأن "كوكو" أصبح أشهر من يوسف فخري ؟
لم أزعل ، "قدّي صعبة المخلوق يكون أعظم من الخالق" ، أنا خلقت كوكو "كوكو أكلّي يوسف فخري" ، وفي هذا الوقت كانت أمي بالمستشفى وعانيت كثيراً حيث مريّت بظروف مأساوية ، "كوكو كوكو كوكو بس يقولولي كوكو إتضايق يا عمّي إسمي يوسف فخري ، وهلأ قول يوسف فخري مين يوسف فخري؟".
شاركت بالدنيا هيك الجديد ، هل كنت راضياً عنه ؟
لا لم أكن راضياً ، كنت راضٍ عن نفسي ، حاولت أن أخَمّر الدور وأعطيه فارق العمر ، ولكن هناك بعض الفنانين الذين قدّموا الدور بطريقة بالغوا فيها ليقولوا "إنو نحنا بعدنا ، طلعوا over كتير" ، و"الدنيا هيك" الجديد يُظلم كثيراً حين تتم مقارنته بـ"الدنيا هيك" القديم ، "بالجديد بودي معلولي واللي عملوه حرام عملوا كل جهدهم ، الملابس ما كانت بتسوى والبيروك كمان ، بعدين الحوار ما بيسوى كتير تعذّبت تزبّط الحوار ، طيّب ما مرق 45 سنة بعدن هني ذاتن؟".
لماذا لم تعترض قبل أن تمثّل فيه ؟
كتبوه كي يلعبوا هم دور "كوكو هني سانّين سنانُن ، إنو يوسف فخري خَتيَر ما بيقدر".
وكيف عدت ودخلت في البرنامج ؟
لأنهم لم يستطيعوا أن يفعلوا شيئاً يذكّرهم بـ"الدنيا هيك" ، "ما قدروا ، إضطروا غصباً عنهم ، وشافوني بعدني الحمدلله ، أنا لحد هلأ بعمل رياضة"، لا أستطيع أن أشاهده ، أنزعج ، لا يعجبني ، لو قدّموه بأسلوب آخر و"جابوني أنا وعلّوش كتبولنا لهلأ بعمرنا بطريقة كانت أزبط"، أنا راضٍ عن أدائي ولكني لم أكن راضياً عن شكلي والملابس والشعر المستعار .
هل تتابع الدراما اليوم ؟
أتابع بعض المشاهد الصغيرة ، وأشعر بأن هناك مجموعة تقدّم أعمالاً جيّدة "بس بينقصُن الشي اللي من الداخل"، والمأساة الكبيرة هي في الذين يمثلون تمثيلاً هزلياً "يمكن بالتمثيل الجدّي بيمشي حالن ، بالتمثيل الهزلي بحسّن دمّن تقيل".
يعني على ماذا أصبحت تعتمد الكوميديا اليوم ؟
"مبالغة رهيبة ما بيضحكوا" ، عندما أشاهد "الدنيا هيك" الذي أنتج منذ 45 سنة أضحك ، وكذلك أضحك عندما أشاهد إسماعيل ياسين وغيره "بتحسّ في شي" ، الناس اليوم "بتضحك لأنها بتحب الإشيا البذيئة" ، حركات مبتذلة. أبو سليم كان ولا يزال يعطيك بسمة ويضحكك ، العفوية الحلوة والأشياء "اللي بتزتّا".
في برنامج "عيلة ع فرد ميلة" الماضي طلبوني لأربع حلقات حيث قدّمت كراكتير جميلاً جداً و"صرت زتّ أنا من عندي ، عِمِل الكراكتير عَلّق بالعالم" ، حيث كنت بالبرنامج أحد الجيران في المبنى ولدي طريقة "مقتبسينها قال أبوها لصاحبة البرنامج هيك بياكل وبيلبس عالشعرة من 30 سنة تيابو هني ذاتن" ، تفرّدت بالدور و"ضَرَب".
هل تندم على إختيارك مهنة التمثيل ؟
لا أندم على شيء ، أنا مؤمن بالقدر حتى لو عادت الحياة وأنا بالظروف التي أنا فيها سأكرر حياتي ، فمثلما يقولون "كان صاحبك مرغم لا بطل" ، فهذا هو المجال الذي أفسح لي وحاولت قدر الإمكان أن أبرز فيه.
أشعر بأنه لا زال لدي طاقات هائلة لم تفجّر "عملت إشيا بعدها رغوة ، بس الإشيا المنيحة اللي بحس حالي بقدر أعملها اليوم ما حدا بيقلّك وينك ، وأنا ما بعمري ركضت ورا حدا أو طرقت باب حدا"، مع أنه المفروض أن هؤلاء الفنانين أصبحوا اليوم مثل الخمرة المعتقة خصوصاً الذين لا يزالون بصحة جيّدة .