بدأت رحلة الموسيقار الراحل فريد الأطرش مع الموت.
.. قبل أن يموت فعلاً بشهرين، وذلك حين كان فىي القاهرة يمثل آخر لقطات فيلمه "نغم في حياتي"، في إحدى فيلات شارع سليمان باشا.. عندما قال له المخرج هنري بركات: "يجب أن تستبدل بنطلونك هذا ببنطلون آخر، وخلع فريد بنطلونه، ثم نزع منه كل ما يحتويه، وكان بين المحتويات مصحف صغير موضوع في كيس ذهبي، اعتاد أن يضعه فريد الأطرش في الجيب الأمامي، وعاد إلى الطاولة، ثم صرخ بصوت عالٍ: "طار المصحف". وتقدمت منه مديرة أعماله دينيز جبور، وقالت له: "ما بك تصرخ؟" فاجابها وهو ينقب في الطاولة وتحتها وحولها: "المصحف يا دنيز، تركته هنا"! وبحثت دنيز عن المصحف فلم تجده، وبدت على وجهه علامات التشاؤم وهو يقول: "انتهى الأمر.. خلاص!" وسألته صديقته: "ماهو الأمر الذي انتهى؟"، فأجاب وقد اغرورقت عيناه بالدموع: "كان هذا المصحف ضمانتي وحرزي وصلاتي، التي تبعد الشر عني.. أما الآن فقد أصبحت بلا سلاح مقدس".
كان المصحف هدية عزيزة على قلب فريد، من الراقصة والممثلة المصرية سامية جمال، أهدته إياه قبل خمس وعشرين سنة، حين كانت في قمة حبها له وشكلا معاً ثنائياً مميزاً في السينما، وقالت له ذات ليلة من ليالي البحث عن تتويج ذلك الحب الكبير بالزواج: "لا أملك أثمن من هذا المصحف لأقدمه لك عربون حب ووفاء. احفظه يا فريد.. لأنه يقيك من كل الشرور". وحفظه فريد الأطرش طوال خمس وعشرين سنة، لم يتركه يوماً واحداً، وكان كلما اشتد به الألم وشعر بالخطر، يمسك بالمصحف ويغمض عينيه ويقول: "يا رب"، وبعدما ضاع المصحف قال كلماته الثلاث: "خلاص... انتهى الأمر".