يعتقد علماء الفلك أنهم رصدوا نوعاً نادراً للغاية من الثقوب السوداء متوسطة الكتلة، وهو يفتك بنجم بعيد، وقد أعادوا تصوير هذا الحدث الكوني العنيف من خلال محاكاة مذهلة جديدة تُظهر "القتل النجمي" بكل تفاصيله.

الثقوب السوداء تأتي بأحجام مختلفة، من تلك الصغيرة جداً التي تُعرف بـ"البدائية" إلى الثقوب السوداء فائقة الكتلة التي تفوق الشمس بمليارات المرات وتمسك بالمجرات مثل درب التبانة. هناك أيضاً فئة الثقوب السوداء متوسطة الكتلة (IMBHs)، والتي تتراوح كتلتها بين 100 إلى 100,000 ضعف كتلة الشمس، لكنها نادرة جداً ويصعب رصدها.

يرجع سبب صعوبة رصد هذه الثقوب إلى أنها لا تُنتج نفاثات طاقة ضخمة مثل الثقوب العملاقة، وغالباً ما تختبئ خلف عناقيد نجمية صغيرة. كما يمكن بسهولة الخلط بينها وبين تجمعات من الثقوب السوداء الصغيرة الناتجة عن انفجار النجوم.

لكن أكثر الطرق فعالية لرصد هذه الثقوب هي عبر ملاحظة لحظة التهامها لنجم، والتي تُعرف بظاهرة التمزق المدي (Tidal Disruption Event) — حيث يتمزق النجم ويصدر وهجاً شديداً من الإشعاع.

في دراسة نُشرت بتاريخ 11 نيسان أبريل في مجلة الفيزياء الفلكية (The Astrophysical Journal)، أفاد باحثون أنهم رصدوا مرشحاً جديداً لثقب أسود متوسط الكتلة يُدعى HLX-1، يقع على أطراف المجرة NGC 6099، على بُعد 40,000 سنة ضوئية من مركزها، وأكثر من 450 مليون سنة ضوئية من الأرض.

باستخدام بيانات من تلسكوب "هابل" وتلسكوب الأشعة السينية "تشاندرا"، رصد الفريق ومضة ساطعة ناتجة عن التهام الثقب لنجم قريب. ثم استخدموا محاكاة حاسوبية لإعادة تشكيل ما يُحتمل أنه حدث فعلياً — ويُظهر الفيديو كيف تمزق HLX-1 النجم بطريقة تُعرف بـ"السباغيتي"، حيث يتم مطّ المادة النجمية بفعل الجاذبية الشديدة.

تم رصد أول مصدر ساطع للأشعة السينية من HLX-1 في عام 2009، ويعتقد الباحثون أن هذا الوميض كان ناتجاً عن تمزق مدي. بلغ الإشعاع ذروته في 2012، ومنذ ذلك الحين بدأ بالتلاشي تدريجياً.

لكن العلماء غير متأكدين 100٪ من أن HLX-1 هو بالفعل ثقب أسود متوسط الكتلة، فقد يكون الضوء نتيجة قرص تراكم (حلقة من مادة ملتهبة تحيط بالثقب) وليس نتيجة ابتلاع نجم. الطريقة الوحيدة للتمييز بين الفرضيتين هي مراقبة سطوع المصدر مع مرور الوقت — فإذا استمر في التلاشي من دون توهجات جديدة، فإن الحدث على الأرجح كان تمزقاً مديّاً حقيقياً.

رغم ندرتها، تُعد هذه الثقوب مفتاحاً لفهم تطور الثقوب السوداء الأخرى. يقول الدكتور يي-تشي تشانغ، المؤلف الرئيسي للدراسة:"الثقوب السوداء متوسطة الكتلة تمثل الحلقة المفقودة بين الثقوب الصغيرة (الناتجة عن انهيار النجوم) وتلك فائقة الكتلة في مراكز المجرات."

إحدى النظريات تقول إن الثقوب متوسطة الكتلة تبدأ كثقوب ناتجة عن نجوم ضخمة، ثم تنمو عبر مليارات السنين لتُصبح فائقة الكتلة. ولتحقيق ذلك، يُعتقد أنها تقضي معظم وقتها على أطراف المجرات، مثل HLX-1، قبل أن تقذفها التفاعلات الجاذبية إلى الفضاء بين المجرّي. ويعتقد بعض العلماء أن ثقباً شبيهاً قد يدور على حواف مجرتنا "درب التبانة".

لمعرفة المزيد، يراقب علماء الفلك أطراف المجرات لرصد مزيد من أحداث التمزق النجمي. ومع التقدّم في التقنيات، مثل تلسكوب جيمس ويب، أصبحت هذه الأبحاث ممكنة أكثر من أي وقت مضى.

وأشار فريق الدراسة إلى أن مرصد فيرا سي. روبن الجديد، والذي بدأ عملياته مؤخراً ونشر أولى صوره المذهلة، قد يتمكن من رصد هذه الأحداث عبر الضوء المرئي.