الإنسان لا يُولد خائفًا من أشياء كثيرة، في الواقع، يتفق علماء النفس والأعصاب على أننا نأتي إلى العالم ونحن نحمل خوفين فطريين فقط: الخوف من السقوط والخوف من الأصوات العالية. وتعمل هاتان الاستجابتان الغريزيتان كآليات بقاء خلال المراحل الأولى والأكثر هشاشة من حياتنا.

واحدة من الأدلة الشهيرة على ذلك هي تجربة "الجرف البصري" التي أُجريت عام 1960، حيث وُضع أطفال تتراوح أعمارهم بين 6 و14 شهرًا على منصة يبدو أن لها حافة تنتهي بسقوط، لكن يوجد زجاج شفاف يغطي الجزء السفلي، وعلى الرغم من تشجيع الأهل، تردد معظم الأطفال أو رفضوا عبور الزجاج، ما أظهر خوفًا فطريًا من السقوط. ومن اللافت أن الأطفال الذين لم يبدأوا بالحبو بعد كانوا أقل حذرًا، مما يشير إلى أن تجربة الحركة تُقوّي هذا الغريزة.

أما الخوف من الأصوات العالية، فيظهر في وقت أبكر، مباشرة بعد الولادة، فالأصوات المفاجئة مثل صوت الباب عند الإغلاق بقوة أو انفجار بالون تدفع المولود إلى الارتعاش أو البكاء، وتُعرف هذه الاستجابة التلقائية بـ"منعكس الذعر السمعي"، وهي جزء من الدوائر العصبية في الدماغ المسؤولة عن البقاء. وكما يشير عالم الأعصاب سيث نورهولم، فإن الدماغ البشري يفسر الأصوات العالية على أنها إشارات خطر عالمية.

أما باقي أنواع الخوف، مثل الخوف من العناكب، أو الظلام، أو التحدث أمام الجمهور، فهي مخاوف مكتسبة على مدار الحياة، فمن خلال التجارب، والإشارات الاجتماعية، والتأثيرات الثقافية، نطوّر مجموعة أوسع من المخاوف.

وقد أثبتت تجربة "ألبرت الصغير" الشهيرة هذه الآلية، حيث بدأ الطفل يشعر بالخوف من فأر أبيض بعدما اقترن ظهوره مرارًا بصوت عالٍ ومزعج، ومع مرور الوقت، تتشكل مخاوفنا عبر القصص، وردود أفعال من حولنا، وتجاربنا الشخصية.