إنها جيزيل بيليكو الضحية التي قام زوجها بتخديرها مراراً وتكراراً على مدى سنوات بالأدوية المهدئة واستدعى رجالاً عبر الإنترنت تخطى عددهم الـ50 لإغتصابها وهي في حالة لا وعي، ها هي اليوم تتحول إلى رمز في نضال النساء ضد العنف الجنسي، حيث مُنحت وسام جوقة الشرف في فرنسا، الذي أنشأه نابليون بونابرت عام 1802، ويُعدّ أعلى وسام وطني فرنسي، مع الإشارة أن الوسام مُنح هذا العام لـ589 شخصية لمساهماتهم في الصالح العام.

إنها لحظة تدخل فيها جيزيل التاريخ في هذه السابقة الأولى من نوعها في فرنسا، فقد صرحت المؤرخة النسوية ميشيل بيرو المختصة بتاريخ النساء على إذاعة فرانس إنتر:"لقد واجهت وضعها كضحية بشجاعة، ومن الجميل أن يتم تكريمها بوسام جوقة الشرف، فهو اعتراف بالعنف الممارس على النساء وبمقاومتهن، لا أذكر سابقة لذلك. جوقة الشرف كانت تاريخيًا تُمنح للرجال لتكريم أبطال الحروب."

جيزيل في جلسات قضيتها عام 2024، القضية التي تُعرف في فرنسا باسم قضية مازان، نسبة للقرية القريبة من أفينيون حيث عاش الزوجان بيليكو، رفضت بشجاعة عقد الجلسات خلف أبواب مغلقة وتخلت عن حقها القانوني في عدم الكشف عن هويتها، مؤكدة أن "العار يجب أن يغيّر الجهة" بمعنى أن العار يجب أن يكون للمغتصِب وليس للضحية.

وتقول جيزيل :"أردت لكل امرأة تعرّضت للاغتصاب أن تقول: مدام بيليكو فعلتها، إذًا أنا أيضًا أستطيع."

أمام محكمة الجنايات في منطقة فوكلوز العام الماضي في لحظات سيذكرها التاريخ، أطلت جيزيل بكامل أناقتها وأنوثتها مثبتةً أنها امرأة لم تُهزم كل ما فيها يُجسّد الإرادة وقالت "لا أُعبّر عن غضب ولا كراهية. أُعبّر عن عزيمة لتغيير هذا المجتمع".

من الداخل، تقول جيزيل إنها "مُدمَّرة تمامًا" لكنها ثابتة، ثابتة من أجل نفسها، ومن أجل كل النساء هنا وهناك، اللواتي يسندنها كما تسندهن، في مواجهة هؤلاء الرجال الذين اغتصبوها بينما كانت مُخدّرة. وفي مواجهة الرجل، الجالس وحيدًا في قفص الاتهام، الذي شاركته حياتها.

نعم جيزيل وقفت بكل ثبات بحضور زوجها في القفص فهو الذي عاشت معه حياتها وخذلها بأبشع طريقة ممكنة وقالت :"لن أستطيع النظر إليه، العبء العاطفي ثقيل. أود أن أناديه اليوم بدومينيك. لقد عشنا معًا خمسين سنة، وأنجبنا ثلاثة أبناء، ولدينا سبعة أحفاد."

زوج جيزيل السابق دومينيك بيليكو إلى جانب الـ 50 متهمًا حوكموا، فحُكم على دومينيك بالسجن 20 سنة دون أن يستأنف الحكم، أما المتهمون الـ50 الآخرون، الذين ثبتت إدانتهم بمعظمهم، وتتراوح أعمارهم بين 27 و74 عامًا، فقد نالوا أحكامًا بالسجن يتراوح بين ثلاث سنوات (منها سنتان مع وقف التنفيذ) وخمس عشرة سنة، خاصة لرجل شارك في اغتصابها ست مرات.

ومن المقرر أن تُعقد محاكمة جديدة في خريف 2025 في مدينة نيم، لـ13 رجلًا استأنفوا الأحكام، وستُنظر القضية هذه المرة أمام هيئة محلفين شعبية.

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أشاد علنًا بجيزيل واعتبرها رائدة، مؤكدًا أن "كرامتها وشجاعتها أثرت وألهمت فرنسا والعالم".

تجدر الإشارة إلى أن جيزيل اختيرت ضمن قائمة "12 امرأة للعام 2025" لمجلة تايم ووصفتها المجلة بأنها "امرأة عادية واجهت مأساة شخصية بفعل استثنائي"، وحصلت جيزيل بيليكو على جائزة الحرية، التي منحتها لها مجموعة من الشباب من 84 دولة، ومن المقرر أن تنشر مذكراتها في كانون الثاني/يناير 2026، مترجمة إلى عشرين لغة.