منذ الصغر، اعتدنا سماع القول إن الإنسان ينحدر من القردة. لكن في السنوات الأخيرة، بدأت تطرح تساؤلات جديدة: ماذا لو كانت أصول الإنسان أعمق من ذلك؟ وماذا لو كانت جذوره تمتد إلى كائنات بحرية؟ بل هناك من يتساءل: هل يمكن أن يكون أصل الإنسان "سمكة"؟
قد يبدو هذا الطرح غريبًا، لكنه يفتح بابًا مهمًا في علم الأحياء التطوري. من منظور علمي، الإنسان ليس سمكة بالمعنى الحرفي، لكنه ينحدر من كائنات بحرية قديمة تشبه الأسماك، ويتشارك معها في سلف تطوري بعيد عاش قبل مئات الملايين من السنين، كما تشير إليه العديد من الدراسات الحديثة.
تعود القصة إلى نحو 420 مليون سنة، عندما ظهرت أولى الأسماك العظمية على كوكب الأرض. ومع مرور الزمن، تطورت بعض هذه الكائنات لتكتسب القدرة على الزحف خارج الماء، مؤقتًا، إلى اليابسة. ومن بين هذه الكائنات ظهرت أنواع انتقالية مثل "تيكتاليك"، التي امتلكت صفات مشتركة بين الأسماك والكائنات البرية، مثل زعانف قوية أقرب إلى الأطراف. كانت هذه الخطوة الأولى في مسار تطوري طويل أدى إلى ظهور البرمائيات، ثم الزواحف، فالثدييات، وأخيرًا الرئيسيات التي ينتمي إليها الإنسان.
الاكتشافات الحديثة عززت هذا التسلسل، إذ تم العثور على نسيج العاج — وهو مادة توجد في أسنان الثدييات — في بقايا أسماك منقرضة. وهذا يشير إلى أن بعض الصفات التي نراها اليوم لدى الإنسان كانت موجودة بشكل بدائي في كائنات بحرية قديمة، ما يعكس العلاقة التطورية العميقة بين الإنسان وتلك الكائنات.
رغم مضي مئات الملايين من السنين، ما زالت أجسامنا تحتفظ ببصمات من ذلك الماضي السحيق. فتركيب عظام أطرافنا يشبه، في شكله العام، تركيب زعانف الأسماك. كما أن العديد من الجينات المسؤولة عن نمو العظام والأسنان والأعضاء الداخلية موجودة منذ ذلك الزمن البعيد.
وعليه، لا يمكن القول إن الإنسان "كان سمكة"، لكنه بكل تأكيد يشترك مع الأسماك في سلف مشترك عاش في بيئة مائية قبل أن تبدأ رحلة الخروج إلى اليابسة. هذا السلف هو جزء من شجرة الحياة التي انحدرت منها جميع الفقاريات، بما في ذلك الإنسان والأسماك.