تريز رزق الله
تروي مسرحية La Vie En Rose، التي تعرض في District 7، قصة أربعة أشخاص هاجروا إلى فرنسا، بعد الحرب العالمية الثانية، بحثاً عن الاستقرار، فشاءت الصدف أن يجتمعوا على مقعد واحد، إلى جانب مصباح للشارع وأمام ملهى ليلي. وفي هذا المكان، روى كل واحد منهم قصته وهواجسه.
أطلق العمل رسائل عديدة عن الهجرة التي بدأت في لبنان منذ زمن بعيد، ولا زالت مستمرة، وعن الحنين إلى الوطن، والصدمات التي يتعرض لها الظالم ومشاعره.
شارك بالتمثيل في المسرحية الممثلون سولانج تراك وطارق تميم وإيلي متري ولبنان عون، كتابة وإخراج مايا سعيد، التي كشفت أن المسرحية هي إفتتاح لمشروع جديد، أطلقت عليه إسم Au trottoir ce soir، وهو عبارة عن مقعد في مكان عام، وإلى جانبه مصباح للشارع وديكور خلفي، حيث تعرض كل شهر ونصف الشهر أو شهرين، مسرحية جديدة مع كاستينغ جديد، ومسرحية La Vie En Rose هي العمل الأول للصيف، وفي شهر أيلول المقبل سوف تبدأ مسرحية جديدة مع ممثلين آخرين، وقد بدأت بجمع الممثلين، وسيكون طارق تميم وإيلي متري وسولانج تراك، من عداد فريق الممثلين، وستعرض المسرحيات في District 7.
وفي نهاية المسرحية، طلبت مايا سعيد من اللبنانيين أن بيقوا في وطنهم، وأن لا يتخلوا عنه، بالرغم من الظروف القاسية.
مايا سعيد
لماذا وجهت هذا النداء في نهاية المسرحية؟
أردت أن أقدم من خلال المسرحية، تحية إلى إبني الذي هاجر إلى كندا، مثل سواه من اللبنانيين، وكان متحمساً للفكرة، وخلال سنة واحدة بدأ يشعر بالحنين الى أبواق السيارات والجيران في لبنان، حيث كان يلتقي في الشارع بصاحب الدكان، والناس الذين يتبادل معهم السلام. الحياة في الخارج باردة، وقد يعمل ويحقق مدخولاً مادياً جيداً، وقد يعيش بشكل أفضل، ولكنه سيواجه مشكلة في العثور على من يشاركه الفرح. يتميز اللبناني بالقدرة على التلاقي مع الآخر، بالرغم من الإختلافات، وفي الغربة لا أحد يجد مرآته. لبنان بالرغم من مشكلاته والظروف الصعبة، يملك شعباً "ما في منّو بالدني". والأشخاص الأربعة الذين شاركوا بالمسرحية، أخذوا لبنان معهم، ونحن شعب نصطحب لبنان أينما ذهبنا، لذا فلنبقى فيه.
طرحت في المسرحية وجهة نظر الظالم، لماذا؟
من صدمة الجنود إلى ألم الهجرة وجرح الحب الكاذب، هذا هو العنوان العريض للمسرحية. خلال الحرب، يخاف الشعب من الموت ومن القنابل، لكننا لم نفكر يوماً بشعور الجندي الموجود على الجبهة، ولا بمخاوفه وهواجسه، وخسارته للمقربين منه. حين يهاجر أحدهم، تشتاق إليه عائلته، وقد تحسده معتقدة أن الوضع في الغربة أفضل، لكننا لم نفكر يوماً بحقيقة شعوره، والى أي مدى يرافقه الحنين والذكريات.
طارق وإيلي يتكلمان عنك بشغف، ما هو سر مايا سعيد؟
طارق وإيلي متري ممثلان يملكان شغفاً وعمقاً، يتخطيان الحد الطبيعي، ويهتمان كثيراً بالتفاصل الصغيرة، ويفهماني وأفهمهما، ونحكي ذات اللغة العاطفية، العمل معهما مريح، وهما يجسدان أدوارهما الكوميدية والدرامية بطريقة لامعة، وهذا ما يسهل تعاملي معهما، وقد وصلنا إلى حد إعتدنا على العمل معاً. سولانج متعددة القدرات، وهي قادرة على التكيف مع كل الأدوار والحالات، وهي ترقص وتغني وتمثل، وما يميز هؤلاء الممثلين الثلاثة، هو أن الآفاق مفتوحة معهم، وأصبح بيننا وحدة حال، مع العلم أن هناك العديد من الممثلين الموهوبين، ويشرفني التعاون معهم.
طارق تميم
أديت من خلال شخصية منتصر مونولوج مؤثر جداً.
أنا أحب كتابات مايا سعيد، وأحببت النص لأن الفكرة جميلة، فهي تطرح موضوع الغربة والتعلق بالبلد. المونولوجات التي ظهرت في العمل، تكشف التعلق بالوطن، والأهل الذين يشكلون الخاسر الأكبر. أنا تأثرت بالمونولوج الذي أديته، لأنه يركز على تضحية الأهل من أجل أولادهم وسعادتهم. منتصر (طارق تميم) ضحّى بقميصه، لأنه يحب الرسم، وهو من عائلة فقيرة، لكن التضحية الأكبر حين يشجع الأب إبنه وسنده في الحياة، على الهجرة، لكي يبعده عن الحرب والمجاعة، قائلاً له: "إذهب لن أنتظرك، لا تستدر وأكمل طريقك". هذه الأزمة يعاني منها معظم اللبنانيين. لا أحب الغربة، ولكنها تفرض نفسها أحياناً، وهذا صراع صعب جداً، أما الحرب فهي بشعة جداً.
إيلي متري
كيف تصف شخصية نور؟
الدور هو عبارة عن تعاطي مع صدمة الحرب، التي يمكن أن تأتي من عدة أسباب، وبالعادة نتعاطى مع صدمة الأشخاص الذين تعرضوا للظلم وليس الأشخاص الذين ظَلموا، وقد يتخطاها البعض، والبعض الآخر لا يتخطاها. نور لم يستطع تخطي الظلم، إلى أن أصبح لديه مشكلة نفسية.
هل شكّل هذا الدور تحدٍ لك؟
نعم شكلّ لي تحدٍ، ومشكلتي مع مايا سعيد بالتحديد، هي أنها حين تقول إن لديها مشروعاً، أوافق فوراً قبل الإطلاع على المضمون وقراءة النص، فأنا أعلم مسبقاً أنني سأحب الدور، لأن مايا مجنونة، وأعلم ما الذي تكتبه وأحبه، وأعلم إلى أي حد هي دقيقة في المستويات النفسية. حين تحكي لي مايا عن عمل، أشعر بحماس نحوه، وأقول إني موافق، وتبدأ بإرسال النصوص تدريجياً، وخلال التدريبات كنت أكتشف أشياء جديدة وبمستويات مختلفة. العمل مع مايا فيه متعة كبيرة.
ماذا عن شغفك في العمل المسرحي؟
أحب التلفزيون والسينما، لكن المسرح هو شيء آخر. أنا مجنون، لا أحب الأشياء السهلة، وحين أشارك بعمل مسرحي، أشعر أنني أعمل بالفن وليس بالترفيه، مع العلم أن الترفيه يتطلب فناً، لكن هنا ممنوع الغلط، وهناك شغف لا يوصف، وحين ينتهي العرض أشعر بطاقة غير محدودة، تدفعني للركض إلى عكار. كنت أتمنى لو كان التلفزيون والسينما يمنحاني نفس الشعور.
سولانج تراك
كيف تفاعلتِ مع شخصية مريانا؟
مريانا هي إمرأة هاجرت، وتعمل مغنية في ملهى ليلي، وتلتقي مع شبان، وتتحدث معهم عن الهجرة وأسبابها، والقواسم المشتركة بينهم. الدور جديد بالنسبة لي، فيه العديد من العناصر، الرقص والغناء، وما زلت في طور التعرف على شخصية مريانا. نشعر أحياناً أننا بحاجة إلى بعض الوقت لتملّك الشخصية، وكلما أعدنا التدرب على العمل، أكتشف شيئاً جديداً، وأتعرف على الشخصية بشكل أفضل.
ماذا عن الغربة؟
أرفض فكرة الغربة، بالرغم من الفرص التي أتيحت لي، لكنني بقيت وأسست مسرحاً، وأنا متعلقة ببيروت وببلدي. وجهت المسرحية رسائل في عدة إتجاهات، أبرزها أن الذين هربوا من الحرب اللبنانية، واجهوا حرباً أخرى، لكنهم يحنون إلى بلدهم، وإلى الذكريات، وإلى أهلهم حتى لو كانوا قساة، لكنهم كانوا على حق.
هل تشفقين على مريانا أم تتعاطفين معها؟
أشفق عليها لأنها سافرت، ولم يعد بإمكانها العودة، ولم تصغِ إلى والدها الذي حذرها من مخاطر قرارها، لكنها أصرت، والحب هو الذي دفعها إلى الهجرة. أشفق عليها لأنها لا تملك حرية إختيار مصيرها، وهي تعمل في مجال لا تحبه، لكنها مرغمة لكسب عيشها، وهذا المصير واجهه العديد من اللبنانيين.