زين شعيب، أحد أبرز أعلام الزجل اللبناني، ترك بصمة لا تُنسى في عالم الشعر الشعبي. امتلك موهبة استثنائية في الارتجال جعلته من أهم نجوم الحفلات الزجلية داخل لبنان وخارجه. بأسلوبه الفريد، استطاع شعيب أن يمزج بين الكلمة العذبة والمضمون العميق، متناولًا مواضيع متعددة مثل الغزل، حب الوطن، والحنين إلى الماضي، بالإضافة إلى التعبير عن آمال وآلام الشعب اللبناني. لم تقتصر شهرته على الساحة المحلية، بل حمل الزجل اللبناني إلى المغتربين في مختلف بلدان العالم، ليعزز ارتباطهم بتراثهم الثقافي. وعلى الرغم من نجاحه الشخصي، لم تكن مسيرته معزولة عن عائلته، فقد أورث أبناءه الموهبة الشعرية، ليكملوا إرثه.

ولادته ونشأته:

ولد زين شعيب، الشاعر الزجلي البارز، عام 1922 في بلدة الشرقية بجبل عامل في جنوب لبنان. نشأ في عائلة عُرفت بموهبتها الشعرية؛ فجده كان شاعراً، ووالده عيسى شعيب كان شاعراً يرافقه إلى السهرات والمجالس الأدبية. أظهر زين شعيب شغفه بالشعر منذ طفولته، إذ نظم أول أبياته الزجلية في السابعة من عمره. وفي عام 1931، وقف بثقة أمام أبرز شعراء الزجل اللبناني، مثل شحرور الوادي وعلي الحاج، ليبدأ مسيرته المميزة في عالم الزجل.

بدايته الفنية:

في مطلع خمسينيات القرن العشرين، بدأ زين شعيب مسيرته الفنية الاحترافية بتأسيس جوقة "الجنوب العاملي" إلى جانب الشاعرين خليل روكز وعبد الجليل وهبي. لاحقًا، انتقل إلى بيروت حيث تعاون مع الشاعر جوزيف الهاشم في تأسيس جوقة "زغلول الدامور"، التي ظلّ جزءًا محورياً منها حتى وفاته، مؤكدًا مكانته كواحد من أعمدة الزجل اللبناني.

موهبته وارتجاله:

تميّز زين شعيب بموهبته الفريدة في الارتجال الشعري، التي جعلته رمزًا بارزًا في عالم الزجل اللبناني. تناولت أشعاره مواضيع متنوّعة بين الحنين إلى الماضي، وحب الوطن، والغزل، وآمال وآلام شعبه. لم يقتصر حضوره على الساحة المحلية، بل جاب بلاد الاغتراب، مقدّمًا الزجل اللبناني للجاليات في الخارج، ليضيف بذلك لبنة جديدة إلى صرح التراث اللبناني.

أبرز أعماله:

اشتهر زين شعيب بإبداعاته الشعرية التي عكست الحنين إلى الماضي وحب الوطن، إلى جانب مواضيع الغزل والتأمل. ومن أبرز أعماله الأدبية:
- الشجرة الطيبة
- المرج الأخضر
- مع المغتربين
- بين القلوب
- بين الأرواح
- أفكار
- حلم سجين

كما خُصّص لشعره دراسة نقدية مميزة في كتاب "عبقرية الإبداع في شعر زين شعيب"، الذي ألّفه الدكتور علي عبد الحليم شعيب، مسلطًا الضوء على عمق تجربته الشعرية وأسلوبه الفريد.

الجوائز:

حظي زين شعيب بتقدير واسع لإبداعاته الشعرية وإسهاماته الأدبية، حيث حصل على العديد من الأوسمة والتكريمات خلال مسيرته الفنية وبعد وفاته. من أبرز الجوائز التي نالها: وسام الاستحقاق من رئيس الجمهورية اللبنانية عام 1974، ووسام تقدير من وزارة الثقافة اللبنانية عام 1995، ووسام شرف من المجلس الثقافي للبنان الجنوبي في العام نفسه. كما مُنح وسام الأرز الوطني من رتبة فارس في عهد الرئيس إلياس الهراوي عام 1997، بالإضافة إلى درع تكريم عمالقة الشرق تحت رعاية الرئيس رفيق الحريري عام 2002، وتكريم خاص من مجلة شؤون جنوبية في احتفال أقيم في قصر الأونيسكو عام 2004.

إسهامه في انتشار الزجل اللبناني

شكّل زين شعيب جسرًا حمل الزجل اللبناني من قلب الوطن إلى العالم العربي، حيث نجح في إيصال الشعر الشعبي بمضامينه العميقة إلى آفاق أوسع. مزجت قصائده بين مشاعر الحب والغزل وبين تطلعات الشعب اللبناني ومعاناته، فجسّدت بأبياتها نبض الواقع وهموم الناس، مما جعلها صوتًا صادقًا يعبر عن وجدان الوطن.

عائلته:

لم تقتصر موهبة زين شعيب الشعرية على شخصه فحسب، بل امتدت إلى أبنائه الذين ساروا على خطاه في عالم الزجل. فقد ورثوا عنه عشق الكلمة وإبداع الارتجال، وكان لكل منهم بصمته المميزة. يُعد علي شعيب، الابن البكر، أول من حمل لواء موهبة والده، بينما تألق نديم شعيب كأحد الأركان الأساسية في جوقة الربيع. أما عماد شعيب، فقد برز كواحد من أعمدة جوقة زغلول الدامور، مكمّلًا مسيرة والده في إعلاء شأن الزجل اللبناني.

الوفاة:

في العاشر من نيسان عام 2005، غاب زين شعيب عن الحياة بعد صراع طويل مع المرض، لكنه خلف وراءه إرثًا شعريًا زاخرًا وشخصية استثنائية حُفرت في ذاكرة محبيه. شهدت بلدة الشرقية مراسم وداع مهيبة، شارك فيها ممثلون عن الدولة اللبنانية، وقيادات حزبية، وزملاؤه من الشعراء، إلى جانب حشود من عشاق الزجل الذين جاؤوا لتوديعه. بفضل براعته في الإبداع الارتجالي ومهارته في التعبير عن نبض الناس، بقي زين شعيب أيقونة بارزة في عالم الزجل اللبناني، وحاضراً بأعماله التي امتدت حدودها لتصل إلى مختلف أرجاء العالم العربي.