من أغنية حفظها الممثل العالمي تشارلي شابلن عن ظهر قلب، إلى براءة اختراع خالدة بالزهور، ومن شائعات الطفولة إلى أحلام معلّقة على خشبة مسرح لم تُنسَ...
سغراء باغيرزادا ليست مجرد فنانة أذربيجانية مرّت بمراحل الإبداع، بل سيدة فنون تنقّلت بين المسرح والسينما والفن البصري، وتركت بصمتها في كل مجال. حصدت حب الجمهور، وعاشت ضجيج الشهرة في سن صغيرة، ثم انسحبت في هدوء لتعيد تشكيل علاقتها بالفن على طريقتها الخاصة.
في هذا الحوار تفتح سغراء باغيرزادا قلبها لموقع "الفن"، وتكشف لنا عن أسرار الماضي، وشهادات لم تُروَ من قبل... عن المخرج الذي طلب منها أن تبدو أكبر سناً، وعن الرجل الذي لم تستطع نسيانه، وعن تمردها الخفي، وماذا كانت ستفعل لو لم يمنعها والدها من الاستمرار.
تداول رواد مواقع التواصل الإجتماعي مقطعًا نادرًا من أحد عروضكِ الطفولية في عام 1959، وقد أثيرت حوله شائعات عن "ظهور أشباح" في الحفل، لكن تبيّن عدم صحتها. نود أن نعود إلى تلك اللحظة ونستفسر: من كانت مصممة الرقصة في ذلك العرض، وكيف تم اختياركِ للمشاركة فيه؟
مصممة الرقص كانت الموهوبة برايتوفسكايا بيرتا آداموفنا. تم اختياري للمشاركة بفضل موهبتي في الغناء، لكن العامل الحاسم كان قدرتي على الغناء والرقص في الوقت نفسه. وافقت بحماس، من دون أن أعي تمامًا حجم المسؤولية التي أُلقيت على كتفيّ الصغيرين. كان العرض بأكمله يعتمد عليّ: الكورال، الراقصون، عشرات الأطفال، والأوركسترا السيمفونية الوطنية. لم يكن هناك بديل لي، ولم أخيّب أحدًا. بعد العرض، أخذتني بيرتا آداموفنا إلى المسرح لمشاهدة "جيزيل"، وكافأتني بكمية كبيرة من الآيس كريم... ذكريات لا تُنسى.
ذكرتِ لي أن الممثل العالمي تشارلي شابلن كان يعرف أغنية "جوجالاريم"، وهذا أمر لافت. هل يمكنكِ أن تروي لنا القصة؟ وماذا قيل لكِ عن ردّة فعله؟
روى لي هذه القصة الفنان الأذربيجاني الكبير مسلم ماقوماييف، وقال إنه في أحد اللقاءات، عندما علم تشارلي شابلن أنه أذربيجاني، عزف لحن "جوجالاريم". كانت لحظة مؤثرة، وأشعر بالفخر كلما تذكرت أن هذه الأغنية البسيطة التي غنيتها في طفولتي تركت أثرًا حتى في ذاكرة أحد عظماء الفن في العالم.
شاركتِ في فيلم يُعد من كلاسيكيات السينما في سن مبكرة. كيف تصفين تجربتكِ التمثيلية في هذا العمل؟ ما الذي جعل دوركِ يعلق في ذاكرة الجمهور؟
تجربتي في فيلم "ألديز" كانت هدية من القدر. فقد شارك في هذا الفيلم كبار نجوم المسرح والسينما، وكان لي الشرف أن أكون جزءًا منه. منذ طفولتي، كنت أعمل في دبلجة الأفلام داخل الاستوديو، وقد استُخدم صوتي في أداء شخصيات لممثلين من أفلام سوفييتية وأجنبية بصيغتها الأذربيجانية. لا يزال الفيلم يُعرض عدة مرات سنويًا حتى اليوم. في ذلك الوقت، كان دخول مجال السينما أمرًا بالغ الصعوبة، إذ تقدّم أكثر من 500 شخص لتجارب الأداء على الدور، وكانوا يبحثون عن فتاة شابة لإحدى الشخصيات الرئيسية. ولأكون صادقة، فقد كان المصوّر يرغب في تصويري تحديدًا، رغم أنني كنت حينها في الخامسة عشرة فقط. اضطررت لارتداء الكعب العالي وتصفيف شعري بشكل يُظهرني أكبر سنًا، حتى أُقنع الجميع بأنني مناسبة للدور.
لماذا لم يحظَ عملكِ في السينما بالاهتمام ذاته الذي لاقته مسيرتكِ في الفنون البصرية؟ وهل ترغبين في أن يُعاد تسليط الضوء على تلك المرحلة من رحلتكِ الفنية؟
لا أتفق مع فكرة أن عملي السينمائي لم يلقَ ما يكفي من الاهتمام. بالنظر إلى أنني مهندسة ولم أتلقَ تعليمًا أكاديميًا في التمثيل، أعتقد أن ما حققته من تقدير وجوائز في مجال السينما كان أكثر من كافٍ. علينا أن نتذكّر أن الاتحاد السوفييتي كان دولة مغلقة، ولهذا، فإن أعمال الكثير من الممثلين الرائعين في تلك الحقبة لم تنل الاعتراف الذي تستحقه عالميًا. وأؤمن بأنه إذا كان الله قد وهبني هذه الملامح التي تناسب الشاشة، فربما يمنحني أيضًا فرصة للمشاركة في عمل سينمائي جاد في المستقبل.
هل هناك دور معيّن ما زال الأقرب إلى قلبكِ؟
غالبًا ما طُلب مني أداء أدوار النساء الطيبات والمحبوبات، وهذا النوع من الشخصيات كان الأقرب لطبيعتي. حتى حين جسّدت شخصية زوجة الأب، لم تكن قاسية أو شريرة كما هو معتاد، بل كانت إيجابية ومتعاطفة. في النهاية، أداء دور يُشبهك ليس بالأمر الصعب.
الزهور عنصر أساسي في أعمالكِ الفنية وتمنحها طابعًا فريدًا. هل ترين الزهور رمزًا فنيًا عالميًا، أم أنها تحمل بالنسبة لكِ رابطًا عاطفيًا خاصًا؟ وما الرسالة التي تسعين لإيصالها من خلالها؟
يسعدني أنكِ تسألينني عن أعمالي، فأنا أعتبرها كأطفالي، وأشعر بسعادة حقيقية حين تتاح لي الفرصة للحديث عنها. قد تكون الزهور رمزًا عالميًا، لكن بالنسبة لي، هي أكثر من مجرد عنصر جمالي. هي لغة تعبّر عن الحب، عن الحياة، عن الجمال العابر، وخصوصًا الجمال الأنثوي الذي لا يدوم. لكن في عالمي الفني، زهوري لا تذبل، بل خُلقت لتبقى وتحمل جمالها لعقود وقرون. أراها شبيهة بالبشر: منهم من يعيش بصمت، يزرع بذورًا ويختفي، ومنهم من يُولد ليترك بصمة لا تُنسى في الذاكرة والتاريخ.
لقد ابتكرت اتجاهًا جديدًا في الفن. وأنا أملك حقوق الملكية الفكرية لتقنية فنية تقوم على صناعة أعمال خالدة باستخدام الزهور الحيّة. إن سحر التناغم وجمال الطبيعة، والرغبة في إيقاظ شعور التقدير والسمو تجاه الطبيعة في نفوس المتلقّين، هي الموضوع المركزي في أعمالي، وهي ما يعرّف أسلوبي الفني.
من هو الشخص الذي لا يُنسى في عائلتكِ؟ وما الهدية التي تتمنين أن تقدميها له اليوم؟
كنّا في العائلة سبع شقيقات وأخًا واحدًا. أحببت والدتي كثيرًا، فقد بقيت امرأة بكل ما تحمله الكلمة من معنى، في جميع الظروف. أما الشخص الذي لا يمكن نسيانه في عائلتي، فهو والدي. مثل أمي وجدتي، أصبحت اليوم أفهم حرصه عليّ، رغم أنني في حينها، وبرغم طاعتي له، كنت أشعر بتمرّد داخلي. كنت أرغب بشدة في مواصلة الغناء والرقص والتمثيل، لكن والدي كان يقول: "لم يسبق أن وُجدت ممثلة في عائلتنا". أهديت له ولعائلتي عملًا فنيًا بعنوان "جنة الحالمين"، يحمل في تفاصيله مشاعري، وامتناني، وحبي لكل ما قدّموه لي.