لم تمل يوماً من الكتابة، فهي صاحبة الفكر النيّر، الذي يغدق علينا إبداعات، يوقعها أحياناً عقلها، وأحياناً أخرى قلبها، وهي التي لم ينكسر حلمها يوماً، في أن ترى وطننا لبنان، عائداً إلى عزه وألقه.
هي عاشقة تراب لبنان، التي تحمل القلم والورقة، لتوثق من خلالهما، أحداثاً كثيرة، منها الفرحة، ومنها الحزينة التي غيّرت مجرى حياتها، وصورة لبنان الحقيقية.
إنها الأديبة والكاتبة ماري تريز فرّا، التي وقعت مؤخراً كتابها الجديد "بحر الهواجس"، وذلك في Rebirth Beirut Space في الجميزة، بحضور أهل الفكر والفن والإعلام، ومتذوقي الكلمة التي تلامس القلب.
إعتدنا في السنوات الأخيرة، أن تجمعينا في زمن الأعياد على الثقافة، في ظل الأوضاع الصعبة، كم أنتِ سعيدة بحضور محبيكِ حفل توقيع كتابكِ الجديد "بحر الهواجس"؟
رغم الدمار والقهر والقنابل، التي عانينا منها في الأيام الأخيرة الصعبة في لبنان، قررنا أن نحارب بالقلم بدلاً من النار، وجاء هذا التوقيع بهمة الصديقة العزيزة السيدة نضال حداد، التي تقيم هذا الصالون الأدبي، وقد أحب الله أن يوقف هذه الحرب والدمار، وجاء وجه الكتاب خيراً، ووقعته بفرح وأمل لنهضة لبنان الذي نتمناه كلنا. الدمار الذي حصل ليس له مثيل في المنطقة، إن شاء الله نبني لبنان، كلنا يداً بيد، على المحبة والتضامن والعمران، وأتمنى أن لا نرى دماراً مجدداً.
متى بدأتِ في كتابة "بحر الهواجس؟
بدأت بكتابته منذ عام.
كيف إستطعتِ الإستمرار في الكتابة، في ظل الحرب الأخيرة على لبنان؟
منذ أن خلقنا في لبنان، وهناك حروب ودمار، لم نرتح يوماً، هناك ذرة فرح مقابل قنطار من القهر، إنتهينا مؤخراً من الحرب، والحمد لله، وأتمنى أن يُبنى لبنان على أسس مهمة وصادقة، أسس لها نور يشع مجدداً.
هاجس واحد يتعب الإنسان، فكيف إذا كان هناك بحر من الهواجس؟
نحن نعيش في بحر الهواجس منذ أن خلقنا.
ما هي هذه الهواجس؟
الهواجس هي مثلاً إن كانت ستمطر قنابل غداً، أو بعده ستدمر المنازل، أو أن بعده لا يعود هناك أمل أبداً، ويقفل الأفق، هذه هواجس كل لبناني، وليست هواجسي أنا فقط.
دائماً هناك في كتبكِ، حنين إلى طفولتكِ ومراهقتكِ ووالدتكِ، ولجوء إلى الرب ومريم العذراء والقديسين.
كلامك صحيح، ولكن كل مرة بقالب مختلف وتعبير مختلف، وهذه المرة كان الهاجس أكبر بكثير، بعد إنفجار مرفأ بيروت، الذي دمّر معظم العاصمة، وهو ثاني أكبر إنفجار في العالم، وجاء هذا الإقتحام للبنان، ولم يبقَ هناك حجر على حجر، أو إنسان لم يتيّم، أو إمرأة لم تبكِ زوجها أو أولادها، أو لم تخسر منزلها.
نحن أبناء وطن الأرز وأرض القديسين، لماذا يحصل لنا كل ذلك؟
قلة محبتنا لبعضنا البعض جلبت الغضب علينا، بيروت مدينة هوليوودية، دحرجوها إلى أعماق الجحيم، وبعدها جاء الضرب والدمار، اللذان لا يمكن لإنسان أن يتحملهما، لكن اللبناني، وخصوصاً المرأة اللبنانية، تحافظ دائماً على بسمتها وأناقتها، رغم الألم، فهي لا تحب أن تظهر يأسها أبداً.
ما هي الغصة الأبرز العالقة في قلبك؟
مغادرة بناتي لبنان، وهجرة كل الأدمغة اللبنانية المهمة من لبنان، وقدوم جيراننا إلينا والذين ملأوا بلدنا، فلم تعد أرضنا تتسع للناس، وتغيّر الميزان، فالمثقفون أصبحوا خارج البلد، ونواطير الكروم داخله، وغير المثقفين ملأوا البلد. لن أدخل في السياسة، ولكن لحوالى الخمسين عاماً، حكمنا أشخاص، أنت تعرف ماذا أقول عنهم، وطار رزقنا وجنى العمر وأملنا، ولا زال هؤلاء الأشخاص، ومن دون خجل، يطلون عبر شاشات التلفزة، ويدلون بآرائهم، وكأن شيئاً لم يحصل. نحن أصبحنا نواطير الكروم، وأصبحت سنوات عمرنا معدودة، وحياتنا مليئة بالقهر والهموم، وأولادنا خارج البلد، والمسافات بعيدة جداً بيننا، وكل أمهات لبنان لديهن هذه الظروف.
لو أتيح لكِ أن تحكمي لبنان، ما هي القرارات التي تتخذينها؟
أولاً حب الوطن، وأن يذكر الإنسان أن الكفن ليس له جيوب، فلن يستطيع الإنسان أن يأخذ معه ما جمعه. لبنان بلد وقف مكرّس للرب، وكم هناك من أوقاف أخذت بالقوة والغصب، وشيدت فيها أنفاق كبيرة جداً، فأصبح الإنسان يخاف من خياله، والجار يخاف من جاره.
كيف تصفين لبنان بعد كل ما مر عليه؟
لبنان بلد التموجات.
كلمة أخيرة.
ظهر بصيص أمل، أتمنى أن يستمر، وألا نصدم بتوقفه، فقد بدأ النور يظهر من داخل النفق الطويل، وأتمنى أن يضعوا صيغة جديدة للبنان، كي لا نعود كل عشر سنوات إلى نفس الموال، وإلى القتل والدمار. لبنان هو بلد الجمال، والمكان الذي لم يتشوه فيه، هو المكان الذي لم تمسه اليد البشرية.
أشكرك جوزيف، وأشكر رئيسة تحرير موقع "الفن" هلا المر، الصديقة المحبة والصدوقة، والصحافية القديرة واللامعة.
إشارة إلى أن كتاب "بحر الهواجس" متوفر في جميع فروع مكتبة أنطوان.
يذكر أنه في رصيد الأديبة والكاتبة ماري تريز فرّا "لبنان حِكم وعِبر" الصادر عام 2014، "همسات عابرة سبيل" 2015، "محطات من قطار الزمن" 2017، "تغريدات الصبا" 2019 عن زحلة وأحيائها وكنائسها، "منجل الحصاد" 2020 عن فيروس كورونا، و"بيروت يا عشقي" 2021 عن إنفجار مرفأ بيروت، "زمن بلا أيام" 2022، و"نحت على النجوم" و"أمواج صاخبة" 2023.