كبيرة من زمن الكبار، أصيلة بفنها، راقية بحضورها، مبدعة بأدائها ومتميزة بصوتها.

طبعت إسمها بحروف من ذهب، بأروع الأعمال التي قدمتها، فأغنت المكتبة الموسيقية بتحف فنية، من الصعب أن يغلبها النسيان.

إنها الفنانة فاديا طنب الحاج، التي تحقق حالياً نجاحاً جديداً بمستوى عالمي، بعد نجاحات كثيرة حققتها في لبنان والدول العربية ودول العالم.

أطلت فاديا طنب الحاج مؤخراً على مسرح أوبرا جنيف، وأبدعت بغنائها في العمل الكوريغرافي "IHSANE" "إحسان"، لمصمم الرقص العالمي سيدي العربي الشرقاوي، وها هي تحل ضيفة عزيزة على موقع "الفن"، لتخبرنا أكثر عن هذا العمل، كما عرفتنا أكثر على أولادها الأربعة رنيم ونيار وكمال ويمان، ومواهبهم الفنية ومجالات أعمالهم، وكشفت لنا فاديا طنب الحاج عن جديدها الغنائي، وفي الختام كانت لها كلمة مؤثرة عن وطننا لبنان.

هذه المرة الأولى التي تغنين فيها على مسرح أوبرا جنيف، بعد غنائكِ في العديد من المسارح العالمية، ما الذي أضافه لكِ وقوفكِ على هذا المسرح الكبير؟

هذه المرة الأولى التي أعمل فيها مع أوبرا جنيف، والعقد هو مع الأوبرا تحديداً، مع أن مصمم الرقص سيدي العربي الشرقاوي، لديه مدرسته ومؤسسته الخاصة لتصميم الرقص، ولكن بما أنه أصبح منذ سنتين، مدير الباليه في أوبرا جنيف، وقعت عقداً كمغنية مع أوبرا جنيف. هذه ليست المرة الأولى التي أغني فيها في أوبرا، ولكن أوبرا جنيف هي من أكبر دور الأوبرا التي غنيت فيها، وتعاملت معها بعقد، هم المنتجون، وبالتالي هم الذين يبيعون العمل ليجول حول العالم، ونحن نكون معهم تحت إدارتهم الفنية، والمعاملة الجميلة التي يعاملونا إياها، والتي هي ذات مهنية عالية، تعاملي مع أوبرا جنيف جميل جداً.

كثيرة هي المسارح المعروفة التي غنيت فيها، منها في باريس وبرلين وأثينا وروما وأوروبا..، بالنسبة لي، ليس المسرح وحده الذي يلعب دوراً، فأحياناً يهمني أكثر مدى تفاعل الجمهور معنا، وأنا لدي خبرة جميلة جداً مع الجمهور الذي يكون بالأكثر أوروبياً، والذي يحب الإنفتاح على أعمال فنية، أكانت كوريغرافية من الفن الراقص، أو أعمال من الفن الغنائي.

إجتمعتِ مجدداً مع مصمم الرقص العالمي سيدي العربي الشرقاوي، وهذه المرة في العمل الكوريغرافي "Ihsane"، ما الذي جذبكِ لتجددي التعامل معه؟ وماذا عن الأغنيات التي تغنينها في هذا العمل؟

أول مرة تعاملنا معاً سيدي العربي الشرقاوي وأنا، كانت بعمل إسمه "Origine"، وقدمنا 90 حفلاً حول العالم، بعده قدمنا عرض "Puzzle" الذي إفتتحنا به مهرجان Avignon، وقدمنا كذلك حوالى الـ90 حفلاً حول العالم، كما قدمنا عروضاً صغيرة لمؤسسات كبيرة، و"Ihsane" هو العمل الثالث المتكامل الذي أقدمه مع سيدي العربي الشرقاوي، بدأناه في جنيف حيث قدمنا ست حفلات، وبعدها سنقدمه في ألمانيا، وبعدها في النمسا، وباريس وروما وكندا وإسبانيا.. أحب كثيراً التعامل مع Larbi (سيدي العربي الشرقاوي)، لأن عملي معه رائع جداً، وهو إنسان لطيف وهادئ، ومعاملته جميلة وعميق جداً، وهو يحب كثيراً الموسيقى الشرقية، والموسيقى الدينية التي لدينا إياها في التراث السرياني أو التراث البيزنطي وغيرهما.

عندما نقول كلمة رقص، فهذا لا يعني أن الراقص يرقص طوال الوقت، فهناك الكثير من المشاهد التعبيرية، وهناك مشاهد تمثيلية، وأحياناً هناك مونولوج يترافق مع حركات بالجسد، تتماشى مع الكلام المغنى أو ما يقال على المسرح. عندما قدمنا عرض Puzzle، أثير الجدل حينها حول إدخال الترنيم البيزنطي على أحد مشاهد العمل، ولكن بعدها الأشخاص الذين إعترضوا على الأمر، حضروا العمل وغيروا آراءهم، لأنهم رأوا أنه يمكن جمع الرقص ولغة الجسد مع الترنيم، إذا كان العمل مقدماً بشكل محترم. هذه المرة الأولى التي يطلق فيها سيدي العربي الشرقاوي إسماً عربياً على عمل له وهو "Ihsane"، وهو يقصد به معنى كلمة إحسان، وكذلك يقصد به شخصاً إسمه إحسان، أحب أن يقدم هذا العمل كذكرى لوفاته، وهو شاب قُتل، كما يقدم هذا العمل كنوع من التصالح مع ذكرى وفاة والده المغربي.

أحببت كثيراً خبرتي مع الراقصين، وأنا أتعلم الكثير من إنضباط الراقص وتواضعه، وقدرة تحمله كثرة العمل والتمارين، فنحن المغنون نقوم بتمارين لحوالى الساعة ونصف الساعة قبل صعودنا إلى المسرح، ولكن الراقصين يبدأون التمارين يومياً عند الساعة العاشرة صباحاً، لذلك أحترم كثيراً وجعهم الجسدي، وأنا معجبة كثيراً بكل راقص منهم، مع العلم أني في المرة الأولى، كنت مترددة جداً في العمل، إن كان مع سيدي العربي الشرقاوي كمصمم رقص، أو مع راقصين، وذلك لأنني معتادة أن أقف بمفردي على المسرح بمرافقة الأوركسترا، وكان جديداً عليّ حينها أن أكون مع راقصين على المسرح، ولكني فرحت كثيراً بعملي مع Larbi ومع راقصين، وكررت التعامل معه.

ديكور "Ihsane" مغربي جداً، فهناك الأشياء التي تتدلى من سقف المسرح، وهي مثل القناديل النحاسية، والإضاءة جميلة جداً، وهناك تسليط أضواء على أرض المسرح والجدران، وهناك أبواب كبيرة تشبه الأبواب الجميلة الموجودة في المغرب، والتي هي مثل أبواب المساجد، وهناك الكثير من السجاد على المسرح، يرقصون بالسجاد ويمدونه ويلفونه، إنتاج هذا العمل مكلف جداً وجميل جداً. الأغاني التي نغنيها في "Ihsane" هي منوعة، من بينها الكثير من التراث المغربي، وهناك إرتجالات، من بينها إرتجال أتشارك فيه مع المغني المغربي محمد السرغيني، وهو يغني إرتجالات تشبه في بعض الأحيان الأناشيد، وكذلك نغني موشحات، من بينها أغني أنا "منيتي عز اصطباري" و"جل من قد صوّرك"، وينتهي الحفل بغنائي Aria Baroque لـ بربارا ستروتسي، باللغة الإيطالية، ما عدا المقطع الأخير الذي ترجمه زوجي الدكتور يوسف الحاج إلى اللغة العربية، وهناك مقطوعة لـ جاسر حاج يوسف، الذي قام بالتوزيع الموسيقي وجمع كل الألحان وله الإدارة الموسيقية، هناك عدة مقطوعات من ألحانه، أدخلنا عليها كلاماً باللغة السريانية لـ مار إفرام.

بعد إبنتكِ يمان، إنطلق إبنكِ كمال بالغناء باللغة الإنجليزية، وأطلق أغنيته الأولى Dirty Secret، من كتابته أيضاً، عرفينا أكثر على كل أولادكِ ومواهبهم الفنية، وهل إختاروا جميعهم الموسيقى الغربية؟

إبنتي يمان إشتهرت بداية في برنامج "ذا فويس" بنسخته العربية، وبعدها أطلقت أغنيات خاصة بها عبر مواقع التواصل الإجتماعي، إبني كمان يدرس موسيقى في لوس أنجلوس، وهو يتخصص في كتابة الأغاني والإنتاج الموسيقي، يكتب ويلحن ويعزف ويوزع ويغني ويسجل، كمال مثل يمان فالإثنان قررا إحتراف الموسيقى والتلحين والغناء، وقد بدأ كمال إطلاق الأغنيات في الأسواق، وأتمنى له التوفيق والنجاح. إبنتي الكبيرة رنيم، تحمل شهادة دكتوراه في الإقتصاد، تحب الموسيقى والرسم كثيراً، تعزف على البيانو، وتغني قليلاً، ولم تتجه نحو إحتراف الموسيقى. إبنتي نيار تخصصت في الهندسة المعمارية، وتعمل في مجال تخصصها، تحب الغناء كثيراً، وتعزف على البيانو، وعندما أحيت حفلاً ميلادياً ضمن مهرجان "بيروت ترنّم" عام 2020 شاركني فيه غناءً أولادي يمان ونيار وكمال.

بالعودة إلى يمان، التي شاركتِ معها في أغنيتها The Immigrant's Song، هي غنت بالإنجليزية وأنت غنيتِ بالعربية، ما هي أهمية إيصال رسالة عن الشباب الذين أرغموا على الهجرة من لبنان؟ وكم أثّر فيكِ هذا العمل مع إبنتكِ، خصوصاً أنه يجمع جيلين فنيين؟

The Immigrant's Song كتبتها يمان باللغة الإنجليزية، ولحنتها ووزعتها موسيقياً وسجلتها، وأشكر قناة LBCI التي إنطلقت منها هذه الأغنية، ففي البداية أعلنوا عنها في الأخبار، وبعدها بثوا الكليب في أوقات مهمة. هذه الأغنية هي رسالة إلى الشباب الذين يهاجرون من لبنان، ويمان هي من هؤلاء الشباب، وكتبت ما شعرت به وأوجعها، رغماً عنها رحلت عن البلد، فبعد إنفجار مرفأ بيروت عام 2020، شعرت يمان بإحباط كبير، وأن كل شيء يشدها نحو الأسفل، وطموحها يريد أن يكبر، ولكن الأوضاع الأمنية والإقتصادية في لبنان، تشد بالشباب إلى الأسفل، فكان من المهم جداً بالنسبة لـ يمان، أن تعبر من خلال هذه الأغنية. ولأننا على تواصل دائم، ونتحدث عن الأوضاع ونحللها، قالت لي يمان إنها ترغب بأن تكتب هذه الأغنية، وكتبتها على شكل حوار بيني وبينها، وكانت في البداية هي التي ستغني ما أغنيه لها في الأغنية، ولكنها عادت وطلبت مني أن أغني باللغة العربية التي أتحدث معها فيها، وهكذا كان. هذه الأغنية جمعت جيلين، ولا أعلم إن كنت سأغني مع كمال يوماً.

يمان لحّنت لي أغنية جميلة جداً، من كلماتي، موضوعها يشبه الهجرة قليلاً، ولكن ليس من وجهة نظرها هي، هذه المرة من وجهة نظر الوالدين الذين فرغ منزلهما، وسكتت جلستهما في البيت، فأصبح الوالدان وحيدين، وهناك من لديهم عدة أبناء في الغربة، فأنا كتبت الأغنية من وجهة نظري، كوالدين لبنانيين أصبحا وحيدين، وأحببت أن أعبر عن هذا الوجع، وتقوم يمان حالياً بتوزيع الأغنية موسيقياً، بإنتظار أن نرى في أي مناسبة سنطلقها.

أطلقتِ العام الماضي أغنية "الوطن الغافي"، ولكن للأسف إحترق الوطن في الشهور الأخيرة، كيف ترين مستقبل لبنان؟ وما هي الرسالة التي توجهينها للمسؤولين والمواطنين؟

"الوطن الغافي" هي أغنية قديمة لي، اللحن لشقيقي سمير طنب، ومن كلمات الشاعر جان أبي غانم، وبعد أن سمع المنتج الكويتي هيثم السعيد الأغنية وأحبها، عرض عليّ أن ينتجها، وأن نسجلها مع أوركسترا في الستوديو، وأحببت أن أغيّر عنوان الأغنية، فبعد أن كان إسمها "الشرق الغافي"، أصبح إسمها "الوطن الغافي"، لأن الشرق إستفاق، ووطننا هو الذي لا يزال مكانه، ولا يستطيع النهوض من سباته العميق، لأنه ربما أرغم على أن يكون غافياً، أو ربما بسبب المسؤولين، وغنيت الأغنية هذا العام في مهرجان جرش مع شقيقتَي رونزا وأمال، كفرقة TriOrient، بمشاركة شقيقي سمير عزفاً، وبحضور جان أبي غانم لأن أكثر أغنياتنا هي من كلماته. هذه الأغنية كُتبت كلماتها منذ سنوات طويلة، وللأسف ما زالت كلماتها تصلح لغاية اليوم، فمنذ حوالى الأربعين عاماً لا زالت الحرب مستمرة، لا نعرف كيف ننهض من سباتنا العميق، ومن الشلل الذي أصابنا، وأعمق وقوع وقعناه هو خلال الأشهر الأخيرة، ففي ظل أصعب الظروف الإقتصادية التي وصلنا إليها، لا زلنا ننحدر نحو الأسفل.

لا أريد أن أوجه رسائل، فالمخطئ من المسؤولين يعرف نفسه، وسارق الدولة يعرف نفسه، ومن أخطأ في مسؤولياته ولم يتحملها، ولم يفسح بالمجال أمام من يجيد تحمل المسؤولية يعرف نفسه أيضاً. هناك طمع وجشع وقلة مسؤولية، وهناك بعض الذين لديهم خيانة تجاه الدولة والوطن والشعب اللبناني. كلنا نعيش الوجع نفسه، ونمر بفترة نجهل فيها مستقبل لبنان، الذي ذكر إسمه مئات المرات في التورات والإنجيل، فإذا عاش لبنان لغاية اليوم، هذا يعني أنه مكتوب له أن يعيش، ولذلك أتمنى على كل اللبنانيين، أن ينظروا دائماً إلى النصف الملآن من الكوب، وأتمنى أن يصل إلى مراكز المسؤولية، أشخاص يكونون على قدر المسؤولية و"نضاف"، ولديهم همّ أن ينهض البلد.