معرض رشيد كرامي الدولي في طرابلس، لبنان، هو تحفة فنية معمارية تشغل مساحة تقدر بمليون متر مربع، ويعكس جمالاً مدهشاً في تصميمه الذي أبدع فيه المصمم البرازيلي أوسكار نيماير. يُعد معرض رشيدكرامي الدولي واحداً من أكبر المعارض في الشرق الأوسط، ومن أبرز المعالم الثقافية والإقتصادية في المنطقة، إذ يُجسّد مزيجاً من الحداثة والتقليد. ورغم أهمية المعرضالبارزة، إلا أنه يواجه تحديات كبيرة، تهدد بإغفال قيمته التاريخية، وتستدعي لفتة عاجلة لضمان الحفاظ على إرثه المعماري والثقافي.

موقع المعرض ومساحته:

يقع معرض رشيد كرامي الدولي، في عاصمة شمال لبنان، في مدينة طرابلس، وتحديداً بين المركز التاريخي لمدينة طرابلس وميناء مدينة المينا.

يمتد المعرض على مساحة واسعة يبلغ قدرها مليون متر مربع، ويضم 120 ألف متر من الحدائق، وما يقارب 120 ألف متر مربع من المساحات المبنية، و33 ألف متر من البرك المائية، 20 ألف متر مخصصة لقاعات المعارض والمؤتمرات. ويضم 18 مبنى: المسرح المكشوف، المسرح التجريبي، صالة العرض المقفلة، الجناح اللبناني، صالة المؤتمرات، المطعم والتراس، المكاتب ومركز الأعمال، الفندق، متحف الفضاء، مكتب الإدارة، بيت الضيافة، قاعة المعارض، برج خزان المياه، متحف السكن، البيت النموذجي، مبنى الجمارك والدفاع المدني، مباني الخدمات للحمامات العامة، والكافتيريا.

مدينة طرابلس:

تعتبر مدينة طرابلس، ثاني أكبر مدينة في لبنان بعد العاصمة بيروت، كما تعتبر عاصمة الشمال. تقع طرابلس على بعد 85 كيلومتراً إلى الشمال من بيروت، وتتميز بموقع جغرافي جعلها صلة وصل بين الشاطئ الشرقي للبحر الأبيض المتوسط، والعالم العربي، لذلك تعتبر مركزاً تجاريًا مهمّاً على مستوى المنطقة ومنطقة الشمال.

تحتوي مدينة طرابلس على عدد كبير من المواقع التاريخية والأثرية، والأسواق التجارية، وتضم المدينة أكثر من 160 معلمًا، بين قلعة، وجامع، وخان، وحمام، وغيرها.

وبالرغم من غنى طرابلس بالمعالم الأثرية وموقعها المميز، إلا أنها كانت تعاني من مشاكل إقتصادية كثيرة، دفعت المسؤولين على اختيارها موقعاً لمعرض كبير يحرّك إقتصادها وذلك من أجل الإنماء المتوازن بين المناطق في لبنان. وفي هذا الخصوص، قال المهندس فادي عبيد لموقع الفن إنه تم اختيار مدينة طرابلس لبناء معرض رشيد كرامي فيها لأسباب عدة، وأشار إلى: "أن التصميم الكامل لأوسكار نيماير كان في الأساس يرتكز على التواصل بين المعرض والبحر، لذلك اختار مكاناً قريباً على البحر، وكان هناك قرار حكومي لتعزيز الإنماء المتوازن بين المناطق في لبنان، واعتبروا أنه يحق لمدينة طرابلس أن تضم معرضاً كبيراً يجذب المهتمين حول العالم".

ولفت عبيد إلى أنه: "لو كُتب للمعرض أن يكتمل ويعمل مثل ما كان مخططاً له، لكان بمثابة ثروة قومية ليس لطرابلس فقط بل لكل لبنان، لأنه لا يوجد معرض بمساحته الهائلة والتي هي مليون متر مربع".

نشأة فكرة المعرض وأهدافه:

انطلقت فكرة إقامة معرض دولي في طرابلس، بنهاية فترة الخمسينيات، وذلك لتنمية المنطقة، لتبدأ بعد ذلك فترة استملاك الأراضي من أهل المدينة. وفي عام 1962، تم تكليف المصمم أوسكار نيماير بتصميم المعرض، وحضر نيماير إلى لبنان، وبقي في طرابلس لمدة 3 أشهر تقريباً، وأنهوا التصاميم وبدأوا بالتنفيذ الذي أوكل لشركات مقاولات لبنانية.

كان الهدف من إنشاء المعرضهو إقامة معرض دولي دائم، تشارك فيه الدول أو شركات حول العالم بهدف التعرف على المنتجات والثروات وتبادلها وتعزيز التجارة في لبنان، وتنمية الوضع الإقتصادي في طرابلس.

وكان من بين مهام المعرضبموجب المرسوم رقم 4027 تاريخ أيار/مايو 1960:

-عرض صورة حقيقية عن واقع لبنان الاقتصادي من كل النواحي، سواء التجارية أو الصناعية أو الزراعية أو الخدماتية، و خدمة التجارة والصناعة والزراعة اللبنانية وتطويرها وتنمية العلاقات الاقتصادية بين لبنان والبلاد الأخرى، بالإضافة إلى فتح مجال للمنتجين والمصدّرين والمستوردين اللبنانيين والعرب والأجانب لإنشاء علاقات تجارية في ما بينهم، وإظهار مميزات لبنان.

أوسكار نيماير مصمم المعرض:

صمم معرض رشيد كراميالدولي، المصمم أوسكار نيماير، وهو معماري برازيلي وأحد أكبر مهندسي القرن العشرين. وقال المهندس فادي عبيد لموقع الفن، إن مجلس الوزراء أوكل أوسكار مهمة تصميم المعرض عام 1961، وكان يعتبر في ذلك الوقت أيقونة لطريقته الفريدة بالتصميم، وأضاف أن نيماير هو من صمم العاصمة البرازيلية.

ونيماير حائز على الجائزة العالمية والدولية في مجال الهندسة المعمارية، و مارس المهنة على مدى 75 عاماً، ولديه عدد من المشاريع التي تحمل توقيعه والتي تصل إلى 700 مشروع تقريباً، لذلك فإن إنجازات أوسكار أضفت قيمة على معرض رشيد كرامي الدولي.

التسمية:

نشأ معرض رشيد كراميالدولي، في عهد رئيس الجمهورية الراحل فؤاد شهاب، الذي أراد معرضاً دائماً للبنان مثل الدول المتقدمة، وتم اختيار مدينة طرابلس لإقامة المعرضفيها، وبحسب المهندس فادي عبيد، فإن المعرض أطلق عليه سابقاً اسم "معرض طرابلس الدولي الدائم"، إلا أنه بعد استشهاد الرئيس رشيد كرامي، اجتمعت بلدية طرابلس واتخذت قراراً بتخليد ذكرى الرئيس رشيد كرامي، فأطلقوا عليه إسم "معرض رشيد كرامي الدولي".

أقسام المعرض:

وحول أقسام المعرض، قال المهندس فادي عبيد في حديثه مع موقع الفن، إن المعرض يضم قاعة معارض كبيرة جداً وتعتبر الأكبر في لبنان، ومبنية من الإسمنت، وتصميمها كان يعتبر جديداً في ذلك الوقت، إذ أنه هناك مسافة كبيرة جداً بين العامود والآخر، بالإضافة إلى أن المعرض يضم حدائق كبيرة، ومسارح وفندق ومطاعم وغيرها. وهذه بعض أقسام المعرض:

  • المسرح المكشوف: هو مسرح كبير يتسع لـ 1200 شخص تقريباً، مجهز بأحدث أنظمة الصوت والإضاءة. تم تصميمه بطريقة فريدة يظهر وكأنه عائماً فوق الماء، إذ يحيط به حوض ماء كبير، يعبر الجمهور جسراً، ومن ثم يمرون تحت قوس بالغ الإرتفاع ليصلوا إلى موقع المقاعد.
  • المسرح التجريبي: هو مبنى كروي الشكل، عبارة عن قبة ضخمة، تم بناؤه من الإسمنت الخالص، ويتسع لـ 1500 شخص تقريباً، ويضم مسرحاً دائرياً. تم تصميم هذا المسرح بطريقة فريدة، وقال عبيد عن هذا المبنى إنه تصميم تميز به أوسكار نيماير، إذ إنه بنى مبانٍ مشابهة له في الكثير من البلدان، وخاصة في العاصمة البرازيلية، إلا أنه في طرابلس كان الأكبر مساحة.
  • صالة العرض المقفلة: هي صالة عرض كبيرة، وتعتبر من أكبر قاعات المعرض في المنطقة. تم تغطيتها وتكييفها لتصبح من أهم الأسواق الإقليمية في لبنان، وتبلغ مساحتها من الداخل حوالى 20 ألف متر مربع، أما مساحة المعرض الخارجية المرتبطة بها فتبلغ 40 ألف متر مربع تقريباً، ولها موقف سيارات مخصص يتسع لـ 3000 سيارة تقريباً.
  • صالة المؤتمرات: هي صالة كبيرة تتسع لـ 2500 شخص تقريباً، يقام بها المؤتمرات وهي مجهزة بأنظمة صوت وإضاءة متكاملة.
  • الجناح اللبناني: هو مبنى كبير مؤلف من طابقين، تبلغ مساحة الطابق السفلي 175 متر مربع، والأراضي 1125 متر مربع، وميزانين 300 متر مربع، وجسر لعبور الزوار فوق المياه، إذ تحيط بالمبنى بحيرة مياه ومساحات خضراء. أما تصميم المبنى، فاختار نيماير أن يضيف عليه لمسة من التراث اللبناني والأشكال الهندسية المعمارية اللبنانية، لذلك اختار أن تكون الباحة الداخلية للمبنى محاطة بقناطر، وقسم آخر محاط بزجاج ضمن أطر من المعدن، وفي داخل هذا القسم يوجد مطعم فاخر.
  • الفندق: يحتوي الفندق الذي يقع غرب المعرض، على عدد كبير من الغرف تبلغ 104، بالإضافة إلى 8 أجنحة فخمة. كما يحتوي الفندق على مطعم متنوع، ومركز رياضي مزود بأحدث التجهيزات، وصالة للحفلات والمؤتمرات تتسع لأكثر من 1000 شخص، بالإضافة إلى حدائق للأطفال وموقف سيارات يتسع لأكثر من 400 سيارة.
  • المكاتب ومركز الأعمال: هو مبنى مؤلف من طابقين، يقع عند مدخل المعرض، ومحاط بقناطر وحولها مجموعة من نوافير المياه. يضم المبنى المكاتب الإدارية ومركز أعمال ذي مستوى عالمي، بالإضافة إلى قاعة محاضرات مجهزة بوسائل متطورة وشبكة انترنت.
  • المطعم والتراس: يقع المطعم فوق مجسم برج خزان المياه الذي يبلغ ارتفاعه 25 متراً، ويطل على المعرض بالكامل، بالإضافة إلى البحر وقمم جبال لبنان الشمالي.

لن نكتفي بهذا الوصف لمعرض رشيد كرامي، المزيد من التفاصيل في الجزء الثاني..