يتخوف المشاهد دائماً من فكرة دخول المسلسل في العديد من الأجزاء، خصوصاً وأن نسبة التكرار التي قد تحدث تزداد بنسبة كبيرة، فيصاب المشاهد بخيبة أمل قبل الغوص في تفاصيل الأحداث، إلا أن قاعدة الأجزاء التي تعتبر أساسية، تمكن مسلسل "العربجي 2" من تخطيها، وذلك من خلال القائمين على العمل، من الممثلين إلى الإخراج.
"العربجي 2" هو النموذج الأفضل في سرد الأحداث، التي قامت على خيارين إما الشر أو الخير، لينتهي المطاف بإختيار كل شخص طريقه الذي يعكس شخصيته.
"العربجي 2" بكل تفاصيله، كان موضع ثقة، بدءاً بالقصة، مروراً بالممثلين وسرد الأحداث، وصولاً إلى الإخراج، إبداع من أولى حلقاته إلى نهايته.
الممثلة السورية ديمة قندلفت، التي ختمت الجزء الأول بطريقة درامية، جعلت المشاهدين "يلومونها" على أفعالها، حولت هذا الأمر إلى إستعطاف، فتلك المرأة "الفرحة التي تحب المال، لم تتخلَ عن حب الأشخاص في الوقت ذاته".
ديمة قندلفت أبهرتنا بدورها، ووضعت بصمتها الخاصة في تألقها.
الممثل السوري باسم ياخور هو "البطل" الذي يحمل العديد من صفات الرجولة، إنطلاقاً من العنفوان والإلتزام بكلمة الحق مهما كلف الأمر، المدافع عن الشعب الفقير والكادح، والذي يقف بوجه الظلم.
شخصية العربجي حملتنا إلى حب هذا "البطل" الفقير، من دون الشعور بالشفقة، بل على العكس، كان مروره ضمن الأحداث مترافقاً مع أفعال أثبتت أن معادن الرجال تظهر عند الشدائد.
باسم ياخور، بالإضافة إلى وسامته، وبنيته الجسدية التي تساعده على تقديم الدور، عكس شخصية البطل القومي، المحارب، صاحب القلب الحنون "قلب من ذهب".
الثقل ضمن العمل كان من نصيب الممثل السوري سلوم حداد، الذي أثبت دائماً في أعماله الدرامية، قدرته وإبداعه بالإنتقال من مسلسل إلى آخر بإتقان، ومن شخصية إلى شخصية بحرفية عالية، وكأنه "جنرال" في التمثيل، وحصد هذه الرتبة من خلال مسيرة طويلة أصقلها بالأعمال الناجحة والأدوار النموذجية.
وكان جسد سلوم حداد في مسلسل "وردة شامية" منذ سنوات، شخصية "عاصم الزبال" الذي يعاني من مشاكل عديدة في حياته، فتفاعل معه الجمهور على أنه حالة إستثنائية، لينتقل بعدها من خلال "العربجي"، إلى دور الإقطاعي المستبد المتعاون مع الإحتلال، والذي يسعى إلى تحقيق مصالحه المادية الخاصة على حساب عائلته.
سلوم حداد يُعتبر غنىً للفن السوري خصوصاً، والعربي عموماً.
الممثلة السورية نادين خوري هي اللمسة الأخيرة للعمل المتقن، لن نقيم أدوارها السابقة، بين المرأة الفقيرة، والأم لطفل من ذوي الإحتياجات الخاصة، والأم المستبدة والأدوار الشامية القديمة، بل سنقول إن دورها في "العربجي" محوري وأساسي، أنصف قدراتها التمثيلية بأعلى المستويات.
نادين خوري بدور "درية"، المرأة والأم والأنثى القاسية، أبرزت أن قسوة البعض الشديدة في الفعل واللهجة، تعلو فوق الأمومة والحنان في بعض الأحيان.
"درية" هي المرأة المرادفة للرجل السياسي، مصلحته فوق كل إعتبار، حتى فوق مشاعر أولاده، وتظهر عزة النفس التي ورثتها من أبيها، رغم الإنهزام والمرض وخيبات الأمل، تبقى المرأة الحديدية، صاحبة القرار الصارم.
مسك الختام وضعه الممثلون، الذين أثبتوا جدارتهم تمثيلاً ولغةً، ووضعوا المسلسل على سلم النجاح، ووصلوا به إلى مراحل عالية، وهم طلال مارديني، طارق مرعشلي، حلا رجب، شادي الصفدي، علي كريم، فارس ياغي، نور خلف، الليث مفتي، حسام الشاه ومديحة كنيفاتي.
"العربجي 2" تأليف عثمان جحا ومؤيد النابلسي، قصة جميلة ومشوقة، لا تمت إلى أي شخص بصلة، ويتم التذكير بهذا الأمر قبل كل حلقة، إلا أنها تشبه قصصاً وتجارب عايشناها، خصوصاً بين أفراد العائلات المالكة، الذين يقتلون أنفسهم من أجل السياسة والمال، ويخضعون للمحتل.
"العربجي" فيه العديد من العبر، أولها النظام إقطاعي، قساوة الناس الذين يملكون السلطة، العنف ضد المظلومين والفقراء، والخوف، ورغم كل هذه الوقائع، بقيت النهاية سعيدة جداً.
"العربجي 2" إخراج سيف الدين سبيعي، ومن الناحية الإخراجية فدقة العمل وتفاصيله تعكس الحقبة إخراجياً، والصورة تعكس جمال قندلفت، وتعابير وجه نادين خوري، والمعاناة، وصعوبة مجاراة الحيلة، وحتى أن مشاهد القتال ظهرت بشكل واقعي، والتشويق سيد الموقف في كل الحلقات.
"العربجي" أبكانا وأضحكنا في آن، وحمل النفس للوقوف ضد الظلم، ومعاندة المواقف الصعبة، وإلغاء الفكر المتصلب، أما بالنسبة للأقوى بالمال والسلطة، فتعلو فوقه كلمة الحق مهما كانت النتيجة.